مقالةٌ في أن استفادة الأحكام الشرعية إنما يكون من جهة المعاني الأصلية الوضعية لا المعاني التبعية
"إذا ثبت أن للكلام - من حيث دلالته على المعنى - اعتبارَين؛ من جهة دلالته على المعنى الأصلي، ومن جهة دلالته على المعنى التبعي الذي هو خادم للأصلي - كان من الواجب أن يُنظر في الوجه الذي تستفاد منه الأحكام، وهل يختصُّ بجهة المعنى الأصلي، أو يعُمُّ الجهتين معًا؟
أما جهة المعنى الأصلي، فلا إشكال في صحة اعتبارها في الدلالة على الأحكام بإطلاق، ولا يسَع فيه خلافٌ على حال، ومثال ذلك صيغ الأوامر والنواهي، والعمومات والخصوصات، وما أشبه ذلك مجرَّدًا من القرائن الصارِفة لها عن مقتضى الوضع الأول.
وأما جهة المعنى التبعي، فهل يصح اعتبارها في الدلالة على الأحكام - من حيث يُفهَم منها معانٍ زائدة على المعنى الأصلي - أم لا؟ هذا محلُ تردُّد، ولكلِّ واحد من الطرفَين وجهٌ من النظر.
فللمصحِّح أن يستدلَّ بأوجه:
أحدها: أن هذا النوع؛ إما أن يكون معتبَرًا في دلالته على ما دلَّ عليه أو لا، ولا يمكن عدم اعتباره؛ لأنه إنما أُتي به لذلك المعنى، فلا بُدَّ من اعتباره فيه، وهو زائد على المعنى الأصلي، وإلا لم يصحَّ، فإذا كان هذا المعنى يقتضي