مقالةٌ في أن الظاهر الذي هو المفهوم العربي هو الذي يُجرى عليه القرآن
"كونُ الظاهر هو المفهوم العربي مجرَّدًا لا إشكال فيه؛ لأن الموالِف والمخالِف اتفقوا على أنه مُنزَّل بلسان عربي مبين، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، ثم ردَّ الحكاية عليهم بقوله: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣].
وهذا الردُّ على شرط الجواب في الجدل؛ لأنه أجابهم بما يعرفون من القرآن الذي هو بلسانهم، والبشر هنا جَبْرٌ (١)، وكان نصرانيًّا فأسلم، أو سلمان، وقد كان فارسيًّا فأسلم، أو غيرهما ممن كان لسانُه غيرَ عربي باتِّفاق منهم، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤].
وقد عُلِم أنهم لم يقولوا شيئًا من ذلك؛ فدلَّ على أنه عندهم عربي.
وإذا ثبت هذا؛ فقد كانوا فهموا معنى ألفاظه من حيث هو عربي فقط، وإن لم يتفقوا على فهم المراد منه؛ فلا يُشترَط في ظاهره زيادةٌ على الجريان على اللسان العربي.
فإذًا كلُّ معنًى مستنبَط من القرآن غير جارٍ على اللسان العربي، فليس من علوم القرآن في شيء؛ لا مما يُستفاد منه، ولا مما يُستفاد به، ومَن ادَّعى فيه
(١) في النشرة المعتمدة: "حبر"، والمثبت من نشرة (أيت)، ٤/ ٧٨٩، وهو الصحيح الموافق لما في كتب التفسير.