مقالةٌ في ذِكر مَن هو المعتبَر في نَصْب النحوي وتصديره
"كلُّ ولاية فالأصلُ في النَّصب لها أهلُ الحَلِّ والعَقد فيها، وهم العارفون بمصلحتها؛ لأن غيرهم كثيرًا ما يُقدِّم من لا يجوز تقديمُه، ويترك مَن يجب عليه تقديمُه؛ إذ ليس بعارف بتلك المصلحة وما تقوم به، ولا بمن توفَّرت فيه أدواتُها.
فإذًا الفقهاء هم الذين يُنصِّبون الفقيه.
والنحاةُ هُم الذين يُنصِّبون النحويَّ.
والأصوليون هم المعتبَرون في نَصب الأصولي.
وكذلك غير هذا من أنواع العلوم" (١).
وأما عند عدم وجود أهل الحَلِّ والعَقْد الذين يُنصِّبونه، ولا وجود لغيره يقوم بهذا الواجب الكفائي؛ فليُنصِّب هو نفسَه وجوبًا، "وشاهدُه النظرُ والأثرُ:
فالأثر: أن النبيَّ ﷺ بُعِث إلى أُمَّة جاهلية لا تعرف مصالح أُخراها ولا دُنياها، ولا تدري ما الوحي ولا النبوءة فيها، وقد أمرَه الله بالبشارة والنِّذارة، فقام فيها بأمر الله كما يجب، ولم يعتبر في ذلك إنكارَ منكِر، ولا إعراضَ مُعرِض.
فالعالِمُ بعِلم يعُمُّ الناسَ نفعُه - إذا لم يكن ثَمَّ غيرُه - مِثلُه في الحُكم؛ إذ كُلُّ حُكم تعلَّق برسول الله ﷺ يتعلَّق بأُمَّته مِثله من غير اختصاص إلا ما قام الدليل على اختصاصه.
(١) روضة الإعلام ٢/ ٥٢٢؛ فتاوي الإمام الشاطبي، ص ١٦٦.