فأما النظرُ: فلأن العالِم إذا كان عِلمه عامَّ النفع، ولا سيما عِلم الشريعة وما يتعلَّق بها، ولم يكن هناك مَن يقوم به إلا هو، ولو ترك القيام به لفسدت الأحوال، وعاد الناس عن قريب إلى الجاهلية - كان من أوجب الواجبات عليه القيام به والتعرُّض للانتصاب فيه، ولا عُذر له في ذلك إن اعتذر بخوفِ إذايةٍ أو عدم قَبولٍ؛ فإنه ﵇ احتمَل في التبليغ الإذايات كلَّها، بل كانوا يترصَّدون قتلَه والفَتْكَ به، فكذلك هذا، فإن الله مُنجِز وعده، وناصِر عبده.
وذكر العلماء مسألةَ الولي إذا طُلِب بالتحدي بالكراهية ليُقبَل منه؛ هل له التعرُّض لذلك أو لا؟
فمنهم مَن سوَّغ ذلك تتميمًا لدعوته إلى الحقِّ، ومنهم مَن لم يُسوِّغه بِناءً على أن التحدي من خواصِّ النبوءة، فليس على الولي إلا الدعاء.
فهذا جارٍ في العالم، والجميعُ متفقون على أنه لا بُدَّ من الدعاء إلى الحقِّ، وإنما الخلاف في أمر زائد.
فهذا العالم إن كان من أهل الخوارق جرى فيه القولان، وإلا أعلَن بالدعوة، ووقَف عندها" (١).
(١) روضة الإعلام ١/ ٤٨٣، ٤٨٤. قلتُ: علَّق ابن الأزرق على كلام الشاطبي هذا بقوله: "قلتُ: وإذا كانت العربية من جملة ما يتعلق من علوم الشريعة بأوثق سبب، وكان جميع ذلك يلزم القيام به إذا تعين، ولو على هذه الحالة المفروضة، فما ظنك بها عند نصب من بيده مقاليد النظر في أمور المسلمين، وأمن ما يتقي من محذور تلك الحالة، هناك لا محالة يتعين القبول، ويجب الانتصاب من غير عذر، ولا تخلف لوجود مانع، وحاله في ذلك كحال جميع أهل العلوم المعتبرة شرعًا؛ إذ الحكم من سبقه للقيام به، فيقع التعاون من الجميع".