للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقالةٌ في أن بلوغ رتبة الاجتهاد في العربية شرط في تحصيل رتبة الاجتهاد في الشريعة

"اعلم أن الله ﷿ أنزل القرآن عربيًّا لا عُجمة فيه، بمعنى أنه جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: ٣]، وقال تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)[الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥]، وكان المُنزَّل عليه القرآن عربيًّا أفصحَ مَن نطق بالضاد، وهو محمد بن عبد الله ، وكان الذين بُعِث فيهم عربًا أيضًا، فجرى الخطاب به على مُعتادِهم في لسانهم، فليس فيه شيءٌ من الألفاظ والمعاني إلا وهو جارٍ على ما اعتادوه، ولم يُداخِله غيرُه (١)، بل نفى عنه أن يكون فيه شيء أعجمي؛ فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وقال تعالى في موضع آخَر: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤].

هذا وإن كان قد بُعِث للناس كافةً، فإن الله جعل جميع الأمم وعامة الألسنة في هذا الأمر تَبَعًا للسان العرب، وإذا كان كذلك فلا يُفهَم كتاب الله تعالى إلا من الطريق الذي أُنزِل عليه، وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها" (٢).


(١) الذي أثبته المحقِّق في المتن: "شيء"، والمثبتُ من نسختين رجع إليهما، وأثبتَه في الهامش، وهو الأليق بالمعنى، ولهذا أثبتُّه.
(٢) الاعتصام ٣/ ٢٥٣.

<<  <   >  >>