مقالةٌ في دفع ما جاء في ذمِّ النحاة بسبب وصفهم بعض آي القرآن بالشذوذ
"ربما يظُنُّ مَن لم يطَّلع على مقاصد النحويين أن قولهم: شاذٌّ، أو: لا يُقاس عليه، أو بعيدٌ في النظر القياسي، أو ما أشبه ذلك - ضعيفٌ في نفسه وغيرُ فصيح، وقد يقع مثل ذلك في القرآن فيقومون في ذلك بالتشنيع على قائل ذلك، وهم أولى لَعَمْرُ الله أن يُشنَّع عليهم، ويُمال نحوَهم بالتجهيل والتقبيح؛ فإن النحويين إنما قالوا ذلك لأنهم لما استَقْرَوا كلام العرب ليُقِيموا منه قوانين يُحذَى حذوها وَجَدُوه على قِسمَين:
قسم سهُل عليهم فيه وجهُ القياس، ولم يعارِضه مُعارِض لشياعه في الاستعمال وكثرة النظائر فيه؛ فأعملوه بإطلاق، عِلمًا بأن العرب كذلك كانت تفعل في قياسه.
وقسم لم يظهر لهم فيه وجهُ القياس أو عارَضه معارِض لقلته وكثرةِ ما خالَفه. فهنا قالوا: إنه شاذٌّ، أو موقوفٌ على السماع، أو نحو ذلك، بمعنى أننا نتَّبع العربَ فيما تكلَّموا به من ذلك، ولا نقِيس غيرَه عليه، لا لأنه غير فصيح، بل لأنا نعلَم أنها لم تقصِد في ذلك القليل أن يُقاس عليه، أو يغلب على الظنِّ ذلك، وترى المعارِض له أقوى وأشهرَ وأكثر في الاستعمال، هذا الذي يعنُون، لا أنهم يرمُون الكلام العربيَّ بالتضعيف والتهجين حاشَ للَّه، وهم الذين قاموا بفَرْض الذَّبِّ عن ألفاظ الكتاب، وعبارات الشريعة، وكلامِ نبيِّنا محمد ﷺ! فهم أشدُّ