للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك القادر؛ إذ لا يتوصَّل إلى قيام القادر إلا بالإقامة، من باب ما لا يتِمُّ الواجب إلا به، وبهذا الوجه يرتفع مناط الخلاف؛ فلا يبقى للمخالفة وجهٌ ظاهر (١)

ولا بُدَّ من بيان بعض تفاصيل هذه الجملة ليظهَر وجهُها، وتتبيَّن صحتُها بحَول الله.

وذلك أن الله ﷿ خلق الخلق غير عالِمين بوجوه مصالحهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٨]، ثم وضَع فيهم العِلم بذلك على التدريج والتربية؛ تارةً بالإلهام كما يُلهم الطِّفلَ التقامَ الثدي ومصَّه.

وتارةً بالتعليم؛ فطلَب الناس بالتعلُّم والتعليم لجميع ما يُستجلَب به المصالح وكافَّةِ ما تُدرَأ به المفاسد؛ إنهاضًا لما جبَل فيهم من تلك الغرائز الفطرية، والمطالب الإلهامية؛ لأن ذلك كالأصل للقيام بتفاصيل المصالح، كان ذلك من قبيل الأفعال، أو الأقوال، أو العلوم والاعتقادات، أو الآداب الشرعية أو العادية.

وفي أثناء العناية بذلك يقوى في كلِّ واحد من الخَلْق ما فُطِر عليه، وما أُلهم له من تفاصيل الأحوال والأعمال؛ فيظهر فيه وعليه، ويُبرَّز فيه على أقرانه ممن لم يُهيَّأ تلك التهيئة؛ فلا يأتي زمانُ التعقُّل إلا وقد نجَم على ظاهره ما فُطِر عليه في أوَّليته، فترى واحدًا قد تهيأ لطلب العِلم، وآخَر لطلب الرياسة، وآخَر


(١) نقل ابن الأزرق كلام الشاطبي هذا في: روضة الإعلام ١/ ٤٨٠، ٤٨١، وعلَّق عليه بقوله: "قلتُ: وعلى هذا التحقيق الذي لا شك في صواب القول به، فواجبٌ على الجميع في الجملة أن يقيموا من يشتغل بتعليم هذا العلم، وواجب على البعض الذين لهم القدرة على القيام به أن يجيبوا إلى ذلك في الجملة أو التفصيل إذا تعيَّن على واحد بعينه".

<<  <   >  >>