للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو متوسِّطًا فهو متوسِّطٌ في فهم الشريعة، والمتوسِّطُ لم يبلُغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فَهمُه فيها حُجة كما كان فهم الصحابة وغيرِهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حُجةٌ، فمَن لم يبلُغ شأوَهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكلُّ مَن قصُر فَهمُه لم يُعَدَّ حُجةً، ولا كان قولُه فيها مقبولًا.

فلا بُدَّ من أن يبلُغ في العربية مبلَغَ الأئمة فيها، كالخليل، وسيبويه، والأخفش، والجَرْمِي، والمازني ومَن سواهم، وقد قال الجَرْمِي: "أنا منذ ثلاثين سنة أُفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه" (١).

فسَّروا ذلك بعد الاعتراف به بأنه كان صاحب حديث، وكتابُ سيبويه يُتعلَّم منه النظر والتفتيش، والمرادُ بذلك أن سيبويه وإن تكلَّم في النحو، فقد نبَّه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء تصرُّفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصِر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يُبيِّن في كلِّ باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على عِلم المعاني والبيان ووجوه تصرُّفات الألفاظ والمعاني، ومن هنالك كان الجَرْمِي على ما قال، وهو كلام يُروى عنه في صدر "كتاب سيبويه" من غير إنكار.

ولا يقال: إن الأصوليين قد نفوا هذه المبالغة في فهم العربية؛ فقالوا: ليس على الأصولي أن يبلُغ في العربية مبلَغَ الخليل وسيبويه وأبي عبيدة والأصمعي، الباحثين عن دقائق الإعراب ومشكلات اللغة، وإنما يكفيه أن يُحصِّل منها ما


(١) راجع كلام الجَرْمِي في: طبقات النحويين واللغويين، ص ٧٥، وفيه التفسير الذي ذكره الشاطبي لعبارة الجَرْمِي، وهو للمُبرِّد.

<<  <   >  >>