للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأهله، فوجب عليه إنهاضُه فيه حتى يأخذ منه ما قُدِّر له، من غير إهمال له ولا تركٍ لمراعاته.

ثم إن وقَف هنالك فحسنٌ، وإن طلب الأخذ في غيره أو طُلِب به؛ فُعِل معه فيه ما فُعِل فيما قبلَه، وهكذا إلى أن ينتهي.

كما لو بدأ بعِلم العربية مثلًا - فإنه الأحقُّ بالتقديم - فإنه يُصرَف إلى معلِّميها؛ فصار من رعيَّتهم، وصاروا هم رُعاة له، فوجب عليهم حفظُه فيما طلب بحسب ما يليق به وبهم، فإن انتهض عزمُه بعد إلى أن صار يحذِق القرآن؛ صار من رعيّتهم، وصاروا هم رُعاة له كذلك، ومِثلُه إن طلَب الحديث أو التفقُّه في الدِّين إلى سائر ما يتعلَّق بالشريعة من العلوم.

وهكذا الترتيب فيمَن ظهر عليه وصفُ الإقدام والشجاعة وتدبير الأمور، فيُمال به نحو ذلك، ويُعلَّم آدابه المشتركة، ثم يُصار به إلى ما هو الأَولى فالأَولى من صنائع التدبير؛ كالعِرافة، أو النقابة، أو الجُندية، أو الهداية، أو الإمامة، أو غير ذلك مما يليق به، وما ظهر له فيه نَجابة ونهوض.

وبذلك يتربَّى لكلِّ فعل هو فرض كفاية قومٌ؛ لأنه سِيرَ أَوَّلًا في طريق مشترك، فحيث وقف السائر، وعجز عن السَّير، فقد وقف في مرتبة محتاج إليها في الجملة، وإن كان به قوةٌ زاد في السَّير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات في المفروضات الكفائية، وفي التي يندُر مَن يصل إليها، كالاجتهاد في الشريعة، والإمارة؛ فبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة.

فأنت ترى أن الترقِّي في طلب الكفاية ليس على ترتيب واحد، ولا هو على

<<  <   >  >>