موضعه، ولا يمنع منه، وهذه هي الجهة الثانية من جهتَي الإشكال.
والجواب: أن الحديث لا نُسلِّم أنه يُشعر بكثرة ذلك، وإنما فيه دلالة على أنه سمِعه أو بلَغه عمن قاله فيمكن أن تكون كلمة قيلت على غير عادة، فيكون من النادر والشاذ، وإذا احتَمَل هذا لم يكن فيه دليل، وإن سُلِّم أن ذلك اعتيد في الاستعمال، فلا يلزم من ذلك خروجُه عن نِصاب الشاذِّ ودخولُه في القياس؛ لأن الشاذَّ عند النحويين على ثلاثة أقسام: شاذٌّ في الاستعمال دون القياس، وشاذٌّ على العكس، وشاذٌّ في القياس والاستعمال جميعًا؛ فيكون هذا من الشاذِّ في القياس دُون الاستعمال، كأنه لم يكثر كثرةً تُوجِب القياس عليه …
وإن سُلِّم أنه بلغ مبلَغ القياس عليه في كلام العرب، فقد يقال: إن الناظم لم يعتبره حيث كان الحديث قد نهى عن استعماله، فصار القياس على ما سُمِع ممنوعًا شرعًا؛ ألا تراه قال:"لا يَقُولَنَّ: لَبَّى يَدَيْك"، فهذا معنى المنع من القياس على ما قيل منه، وهذا من غرائب أحكام العربية أن يُمنَع من القياس لمانع شرعي، ولكن له نظائر، كالمنع من تثنية أسماء الله تعالى وجمعها وتصغيرها، وإن كان قياس العربية يقتضي تثنية الأسماء المُعرَبات على الجملة، وكذلك تصغير الأسماء التي سُمِّي بها نبيُّنا محمد ﷺ تسليمًا؛ فإنه أعظم الخَلْق عند الله تعالى، فلا يجوز تصغيرُ اسمه وإن كان لفظًا؛ لعِظَم المدلول ﵇، والألفاظُ تشرُف بشرف مدلولها شرعًا، وهذا الموضع مما منع الشرع من استعماله، وذلك يستلزم منعَ القياس عليه، فمنَعه الناظم، وسمَّى ما سُمِع منه مخالِفًا للمشروع شاذًّا؛ لمساواته للشاذِّ العربي الذي لا يُقاس عليه، والله أعلم" (١).