للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدعًا؛ إما على المجاز المحض؛ من حيث لم يُحتَج إليها أوَّلًا، ثم احتيج إليها بعدُ، أو من عدم المعرفة بموضوع البدعة؛ إذ من العلوم الشرعية ما يُداخِل صاحبها الكِبْر والزَّهْو وغيرهما، ولا يعود ذلك عليها بذمٍّ.

ومما حكى هذا المتصوِّفُ (١) عن بعض علماء الخَلَف، قال: "العلوم تسعة؛ أربعة منها سُنَّة معروفة من الصحابة والتابعين، وخمسةٌ محدَثة لم تكن تُعرَف فيما سلف". قال: "فأما الأربعة المعروفة: فعِلم الإيمان وعِلم القرآن وعِلم الآثار، والفتاوي، وأما الخمسة المحدَثة: فالنحو، والعَرُوض، وعِلم المقاييس، والجَدَل في الفقه، وعِلم المعقول بالنظر" (٢). انتهى.

وهذا إن صحَّ نقلُه فليس أوَّلًا كما قال؛ فإنَّ أهل العربية يحكون عن أبي الأسود الدؤلي أنَّ علي بن أبي طالب هو الذي أشار عليه بوضع شيء في النحو، حين سمِع الأعرابيُّ قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] بالجرِّ، فقال: برئتُ مما برئ الله منه. فبلغت عليًّا ، فأشار على أبي الأسود، فوضع النحوَ (٣).

وقد رُوي عن ابن أبي مُلَيْكَة: أن عمر بن الخطاب أمر أن لا يُقرئ القرآن إلَّا عالمٌ باللغة، وأمر أبا الأسود، فوضع النحوَ (٤).

والعَرُوض من جنس النحو، وإذا كانت الإشارة من واحد من الخلفاء الراشدين صار النحو والنظر في الكلام العربي من سُنَّة الخلفاء الراشدين، وإن سُلِّم أنه


(١) الذي أثبتَه محقِّق الاعتصام: "المتصوفة"، وذكر أنه في ثلاث نسخ: "المتصوف"، وهو الذي أثبتُّه؛ لأنه الموافق لقوله بعد ذلك: "قال … "، ولأن القائل هو أبو طالب المكي.
(٢) قوت القلوب ١/ ٢٨٣.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) تقدَّم تخريجه أيضًا.

<<  <   >  >>