للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأدلةُ في المعنى كثيرة (١).

و"علماء السوء هم الذين لا يعمَلون بما يعلَمون، وإذا لم يكونوا كذلك، فليسوا في الحقيقة من الراسخين في العِلم، وإنما هم رُواة - والفقهُ فيما رَوَوا أمرٌ آخَر - أو ممن غلب عليهم هوًى غطَّى على القلوب والعياذ باللَّه.

على أن المثابرة على طلب العِلم، والتفقُّه فيه، وعدم الاجتزاء باليسير منه؛ يجُرُّ إلى العمل به ويُلجئ إليه ..... ، وهو معنى قول الحسن: "كنَّا نطلُب العِلم للدنيا؛ فجرَّنا إلى الآخرة" (٢) " (٣).

لكن لا بُدَّ أيضًا من التنبُّه إلى "أن العامل بمقتضى الامتثال من نتائج عملِه الالتذاذ بما هو فيه، والنعيم بما يجتنيه من ثمرات الفُهُوم، وانفتاح مغاليق العلوم، وربما أُكرِم ببعض الكرامات، أو وُضِع له القبول في الأرض، فانحاش الناسُ إليه، وحلَّقوا عليه، وانتفعوا به، وأمُّوه لأغراضهم المتعلِّقة بدنياهم وأُخراهم، إلى غير ذلك مما يدخل على السالكين طُرَقَ الأعمال الصالحة؛ من الصلاة، والصوم، وطلب العِلم، والخلوة للعبادة، وسائر الملازمين لطُرُق الخير، فإذا دخل عليه ذلك، كان للنفس به بهجةٌ وأُنسٌ وغنًى ولذَّة ونعيمٌ؛ بحيث تصغُر الدنيا وما فيها بالنسبة إلى لحظةٍ من ذلك، كما قال بعضهم: "لو علِم الملوكُ ما نحن عليه لقاتَلُونا عليه بالسيوف"، أو كما قال، وإذا كان كذلك، فلعلَّ النفس تنزِع إلى مقدِّمات تلك النتائج، فتكون سابقة للأعمال، وهو


(١) الموافقات ١/ ٧٣ - ٨٨.
(٢) أخرجه ابن عبد البر في: جامع بيان العلم ١/ ٧٤٧ (١٣٧٥).
(٣) الموافقات ١/ ١٠٣، ١٠٤.

<<  <   >  >>