للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومجموعِ أحوالٍ وظواهرَ تعمُّدَهم لترك ذلك، وما أَعزَّ ذلك وأَقلَّه". هذا ما قال، وهو واضح.

فمَن كان مِثلَهم فواجبٌ أن يُقبَل قولُه نفيًا وإثباتًا، وهم قد قالوا: إن "ما أَفْقَرَه" وأخواته شاذٌّ، لعدم جريانه على الثلاثي، فلم يقولوا ذلك إلا بعد فهمه من العرب كذلك، فإذا سُمِع بعد ذلك الثلاثي فالواجبُ على المتأخِّر التوقُّف حتى يدخل من حيث دخل المتقدِّم، فإن وجد الأمر مُستتِبًّا مطَّردًا على خلاف ما قال الأَوَّل لم يسَعه إلا مخالَفتُه، وإن لم يجِده كذلك فلْيتوقَّف، فإن اجتمع على ما قال الأَوَّل أئمةٌ مِثلُه فينبغي تقليدُهم؛ لأنهم عن السماع يُخبِرون، لا عن آرائهم.

وإلا لم يقطع في المسألة بنفيٍ ولا إثبات إن حصل له في الاستقراء شكٌّ يستنِد إلى سبب، وإن لم يكن له سببٌ في الشكِّ يستنِد إليه فالأَولى الوقوفُ مع ما قال الأَوَّل؛ لأنه إنما حكم عن بصيرة، وهذا ليست له في المسألة بصيرةٌ يستنِد إليها، والكلام هنا واسع، ومَحلُّ بَسطِه "الأصول" …

ولذلك نرى الحُذَّاق يعتنون بقواعد المتقدِّمين، ويتحامون الاعتراض عليهم، بل يُقلِّدون نقلَهم وقياسهم، ويحتجُّون لهم ما استطاعوا مراعاةً لهذه القاعدة، فيظُنُّ الشادي في النحو أن ذلك من باب التعصب للمذهب، وليس كذلك فاعلم" (١)، "ولو رأيتَ اجتهادهم في الأخذ عن العرب وكيفيةَ التلقي منهم؛ لقضَيتَ العَجَب" (٢).


(١) المقاصد الشافية ٤/ ٤٩٣ - ٤٩٥.
(٢) السابق، ٣/ ٤٠٢.

<<  <   >  >>