فهذه هي أجزاء التصريف قد نبَّه عليها، ومعرفة ذلك كلِّه هو عِلم التصريف. وإنما سُمِّي هذا العِلم تصريفًا من التصريف الذي هو التقليبُ، وتقول: صرَفتُ الرجلَ في أمري: إذا جعلته يتقلَّبُ فيه بالذهاب والمجيء. وصروفُ الدَّهر: تقلُّباتُه وتحوُّلاتُه من حال إلى حال. فهذا العِلم فيه هذا المعنى من جهتين:
إحداهما: من جهة مُتعلَّقه؛ إذ هو مُتعلِّق بالتصرُّفات الموجودة في الألفاظ العربية، فقولُ العربي: ضرَب، ويضرِب، وضارب، ومضروب، واضطرب، وما كان نحو ذلك - تصريفٌ للمصدر الذي هو الضَّرْب، وهو مُتعلَّق نظر صاحب هذا العِلم، فينظُر في هذه التصرُّفات؛ في الزيادة والنقصان، والصحة والإعلال، وشبه ذلك، فقيل للعلم المتعلِّق بهذا التصريف: تصريفٌ، تسميةً له باسم متعلَّقه.
والجهةُ الثانيةُ: جهةُ فائدتِه، وهو انتحاءُ سمت كلام العرب بالبناء مثل أبْنِيتها، والتصرُّفُ في الكلام بنحوٍ من تصرُّف العرب. وإلى هذا المعنى ردَّ ابن جني وغيرُه حقيقة التصريف المبوَّب عليه؛ إذ قال:"إن التصريف هو أن تجيء إلى الكلمة الواحدة فتُصرِّفها على وجوه شتى، مثالُ ذلك أن تأتي إلى "ضرَب" فتبني منه مثل "جعفر"، فتقول: "ضَرْبَبٌ"، ومثل "قِمَطْر": "ضِرَبٌّ"، ومثل "دِرْهم": "ضِرْبَبٌ"، ومثل "عَلِم": "ضَرِبَ"، ومثل "ظَرُف": "ضَرُب". قال: أفلا ترى إلى تصريفك الكلمة على وُجوه كثيرة".
فحدَّه كما ترى بفائدته، وعلى ذلك نصَّ في كتاب "الخصائص"(١)، فذكر أن الغرض من مسائل التصريف على ضربَين: