والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكُّر من قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١] وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله: ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١].
أو فُهِم الفرق بين "إذا" و"إن" في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] وبين ﴿جَاءَتْهُمُ﴾ و ﴿تُصِبْهُمْ﴾ بالماضي مع "إذا"، والمستقبل مع "إن".
وكذلك قوله: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] مع إتيانه بقوله: ﴿فَرِحُوا﴾ بعد "إذا" و ﴿يَقْنَطُونَ﴾ بعد "إنْ"، وأشباه ذلك من الأمور المعتبَرة عند متأخِّري أهل البيان، فإذا حصل فَهمُ ذلك كلِّه على ترتيبه في اللسان العربي - فقد حصل فَهمُ ظاهر القرآن.
ومن هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين بأن إعجازه بالفصاحة؛ فقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وقال تعالى: ﴿أم يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [هود: ١٣].
وهو لائق أن يكون الإعجاز بالفصاحة لا بغيرها؛ إذ لم يؤتوا على هذا التقدير إلا من باب ما يستطيعون مثله في الجملة، ولأنهم دُعُوا وتُحُدُّوا وقلوبُهم لاهيةٌ عن معناه الباطن الذي هو مراد الله من إنزاله، فإذا عرفوا عجزَهم عنه؛ عرفوا صدق الآتي به، وحصل الإذعان، وهو باب التوفيق والفهم لمراد الله تعالى" (١).