للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقصد الثاني: المتهمون بعدالتهم:

يجب علينا قبل البدء في إيراد الرواة المطعون بهم توضيح نقطة مهمة، وهي أنّ الإمام «الباقر» كان مدنيّاً، أي أنه كان من سكّان مدينة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وأقام طيلة حياته بها، وكانت أرضها مثوىً له ولابنه جعفر «الصادق» أيضاً، وخلال بحثي في سيرة حياته، لم أعثر على مصدرٍ تاريخيٍّ واحدٍ يروي سَفَراً له إلى الكوفة، ولئن جاز افتراض سفر الإمام الباقر إلى الكوفة فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون سفراً عارضاً، ولم تتعدَّ إقامته فيها أياماً قلائل، فكيف يتأتّى أن يكون أغلبُ الرواة الذين رووا عن «الباقر» من أهل الكوفة؟!.

قد يقول قائل إنّ الرواة عنه من أهل الكوفة هم الذين سافروا إلى المدينة وتلقّوا العلم على يدي الإمام «الباقر».

فأقول: هذا أمر محتمل وقد سمعنا عن رحلات أهل ذاك الزمان في طلب العلم، فكانوا يُرْخِصون في سبيل ذلك كلّ نفيس، ولكن من خلال مراجعة سيرة هؤلاء الرواة وتمحيصها توصَّلنا إلى أنهم كانوا من سكان الكوفة ورحلاتهم إلى المدينة - إن صحَّت- لم تتعد أياماً معدودة، فتلقّيهم من علم «الباقر» وروايتهم عنه لايمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تبلغ هذا العدد المهول من الروايات (١)، فمنهم من


(١) إن الأحاديث المنسوبة لأهل البيت رضوان الله تعالى عليهم كثيرة جداً، ولكن الصحيح منها قليلٌ للغاية، فعند تصفح (أبواب تاريخ أبي جعفر «الباقر») من كتاب بحرا الأنوار للمجلسي والتي بلغت مئتين وثمان وستين (٢٦٨) رواية، فإننا نلحظ أن الروايات المعتمدة منها لا تتعدى ثلاثة وعشرون رواية= = (٢٣) فقط على حد قول الشيخ محمد آصف محسني - وهو من موافقي المجلسي في المعتقد- في كتابه «مشرعة بحار الأنوار»، مما يعني أن عدد الروايات الضعيفة مئتين وخمس وأربعين (٢٤٥) رواية، أي أكثر من عشرة أضعاف عدد الروايات الصحيحة وهو فارق كبير جداً، وأمَّا لو تتبعنا نحن هذه الروايات الثلاث والعشرين المتبقية وأخضعناها لميزان دقيق فلن تجد رواية منها صحيحة، وهذا في باب واحد من أبواب هذا الكتاب الذي يزعم أنه اعتنى بأخبار أهل البيت، فكيف لو تتبعنا باقي الأحاديث في الأبواب الأخرى؟

<<  <   >  >>