للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومخ الشيء خالصه وما يقوم به، كمخ الدماغ الذي هو نقيُّه، ومخ العين شحمها، والمعنى: أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء، كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخ. وقال القاضي: "أي: هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة؛ لدلالته على الإقبال على الله تعالى والإعراض عما سواه" (١).

(ثم تلا) أي: ثم قرأ النبي استشهادًا واعتضادًا (﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُونيَ﴾ [غافر: ٦٠] الآية) بالنصب، وهو الأرجح، أي: قرأها تمامها، وبالجر أي: إلى آخرها، وبالرفع أي: معروفة مشهورة، ولفظ الآية من تصرفات أهل الرواية اقتصارًا واكتفاء بالدراية، وإلا فلا شكَّ أنه قرأ الآية بكمالها، ثم فيها إيماء إلى أن تتمة الآية لها دخل في الاستشهاد.

وفي نسخة: ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ الآية ثم تمامها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، أي: أذلاء صاغرين، فالمراد بعبادتي: دعائي ليطابق قوله: ﴿ادْعُونِي﴾ أو المعني بقوله: ﴿ادْعُونِي﴾: اعبدوني؛ ليوافق قوله: ﴿عِبَادَتِي﴾، فوضع الدعاء موضع العبادة، ووضع العبادة موضع الدعاء، ليفيد أن الدعاء هو العبادة، وأن العبادة هي الدعاء، وهذا ما ظهر لي في هذا المقام من حل الكلام على وفق المرام.

وقال المؤلف: "إنما تلا الآية استشهادًا لذلك؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ أي: عن دعائي" (٢). وقال في "شرح


(١) يعني بالقاضي: البيضاوي انظر كلامه هذا في تحفة الأبرار تحت حديث (٤٤٢).
(٢) "مفتاح الحصن الحصين" (ل ٢/ ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>