اعلم أن كل ما يذكر في "آداب الذكر" فهو معتبر في "آداب الدعاء" دون العكس كما لا يخفى، خلافًا لما توهم الحنفي، حيث قال:"لا خفاء في أنه كما أن الأمور المذكورة في الدعاء جارية في الذكر، كذلك ما ذكروه أيضًا جاء في الدعاء".
(قال العلماء: ينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر) أي: الذاكر، وفي نسخة بصيغة المجهول، (الله فيه نظيفًا) أي: طاهرًا من الأدناس فضلًا عن الأنجاس (خاليًا) أي: عن الأشياء التي يوجب وجودها الوسواس، وفيه تنبيه على أن القلب الذي هو بيت الربّ ينبغي أن يكون طاهرًا من نجاسة حبّ الدنيا، وخاليًا عن سكون الأغيار التي تسمى السوى، كما يفيده قوله سبحانه: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩].
(وأن يكون الذاكر على أكمل الصفات المتقدمة) قال الحنفي: "الأولى أن يقول: على أكثر"، انتهى. وفيه رجوع له إلى ما قدمناه عنه، لكن قد يقال: مراده من الصفات المتقدمة في الدعاء الأمور المعتبرة في الذكر والثناء، لا جميعها، فإنه أمر ظاهر، على خلاف وهم المتبادر، ولعله أشار إلى هذا بقوله:"أكمل"، فإنه مما يحتاج إليه في الحالين، فتأمل.
فمعناه: أن يكون في الصفات المتقدمة المطلوبة هنا على وجه الأكمل، فإن مرتبة الذكر أفضل، قال تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥].