وقال صلى الله عليه وآله وسلم:«قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» . روى الأحاديث الثلاثة آنفة الذكر ابن ماجه في أوائل سننه.
إن الاقتداء بالسلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم في أمور الدين لهو أمر واجب، جاء التصريح به في مثل قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥]
فالله سبحانه وتعالى قد ذكر في هذه الآية الكريمة تحذيرا شديدا عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومشاققته، ثم عطف على ذلك فقال:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١١٥] ولا شك أن هذا السبيل هو سبيل الله الذي حذر الله سبحانه المؤمنين أن يخالفوه، وهو ما كان عليه المهاجرون والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وهم الذين أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في قوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: ١٠٠]
إن على كل مسلم أن يعلم ما هو المنهج الصحيح من ضمن المناهج الكثيرة التي تنتسب إلى الإسلام، هذا المنهج الذي طالما غفل عنه جماعات من المسلمين قديما وحديثا، ولم يتنبهوا له، أو أنهم تنبهوا له ولم يرعوه حق رعايته.
هذا المنهج هو منهج الفرقة الناجية، التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة:«ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة» .
وفي الحديث المروي في المسانيد والسنن تفسير لهذه الرواية وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم «حين سئل عن الفرقة الناجية: من هي يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنا عليه وأصحابي» .
فمن استمسك بهذا السبيل: سبيل المؤمنين الأوائل من المهاجرين والأنصار كان من الناجين يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: ٨٨ - ٨٩]