نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلم عُبِدَتْ» (١) .
وهذا يدل على أهمية العلم الشرعي، والخسارة العظيمة بفقدانه، فلما حصل هذا أرسل الله نبيه نوحا عليه السلام إلى قومه لما غلوا في الصالحين، ونُسي العلم، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك، قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ - قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأعراف: ٥٩ - ٦٠] وقد ذكر الله في سورة نوح وغيرها قصته معهم، واستكبارهم عن الإيمان، وإفراد الله بالعبادة، وأنه عليه السلام نوَّع الدعوة لهم؛ ليكون أنجع فيهم، فلم يؤمن معه إلا قليل، ثم أغرقهم الله، فأدخلهم جهنم، أعاذنا الله منها.
وقد أخبر سبحانه أنه أرسل إلى عاد أخاهم من القبيلة هودا، وإلى ثمود أخاهم صالحا، وشعيبا إلى مدين، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[الأعراف: ٦٥] وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأعراف: ٧٣] وقال عز من قائل: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف: ٨٥] فكل الأنبياء بعثوا بالتوحيد كما تقدم.
ولما أرسل الله نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كسر تلك الأصنام بعينها التي عبدها قوم نوح عليه السلام، والتي توارثها المشركون، وغيرها من الأصنام، وقد أرسل إلى قوم يتعبدون
(١) رواه البخاري في صحيحه (كتاب التفسير باب: (ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق) برقم: ٤٩٢٠) .