الكلام على هذه الآية كالكلام على الآية السابقة، ولا تراهم يتشبثون بالمشيئة إلا عند انخذال الحجة، ألا ترى كيف ختم بنحو آخر مجادلاتهم في سورة " الأنعام " في الآية السابقة، وكذلك في سورة " الزخرف "[١٩ - ٢٢] ، وهو قوله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ - وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ - أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ - بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف: ١٩ - ٢٢]
ويكفي في الانقلاب ما يشير إليه قوله سبحانه:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[الأنعام: ١٤٩] والمراد بما حرموه: السوائب والبحائر وغيرها.
وفي تخصيص الاشتراك والتحريم بالنفي لأنهما أعظم وأشهر ما هم عليه، وغرضهم من ذلك تكذيب الرسول - عليه الصلاة والسلام - والطعن في الرسالة رأسا؛ فإن حاصله: أي: ما شاء الله يجب، وما لم يشأ يمتنع، فلو أنه سبحانه وتعالى شاء أن نوحده، ولا نشرك به شيئا، ونحلل ما أحله، ولا نحرم شيئا مما حرمنا - كما تقول الرسل وينقلونه من جهته تعالى - لكان الأمر كما شاء من التوحيد، ونفي الإشراك، وتحليل ما أحله، وعدم تحريم شيء من ذلك، وحيث لم يكن كذلك ثبت أنه لم يشأ شيئا من ذلك، بل شاء ما نحن عليه، وتحقق أن ما يقوله الرسل عليهم السلام من تلقاء أنفسهم.
فرد الله تعالى عليهم بقوله:{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[الأنعام: ١٤٨] من الأمم، أي: أشركوا بالله تعالى، وحرموا من دونه ما حرموا، وجادلوا رسلهم بالباطل ليدحضوا به الحق.
{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}[النحل: ٣٥] أي: ليست وظيفتهم إلا البلاغ للرسالة، الموضح طريق الحق، والمظهر أحكام الوحي التي منها تَحَتَّمَ تَعَلُّقُ مشيئته تعالى باهتداء من صرف قدرته واختياره إلى تحصيل الحق؛ لقوله تعالى: