للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأنبياء والملائكة والصالحين والمقبورين وغيرهم، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] وقال سبحانه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: ١٤] وتحققت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادة كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء لا يريدون إلا شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون.

وهذا التوحيد هو معنى قولك (لا إله إلا الله) فإن الإله هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا صالحا، أو شجرة أو قبرا أو جنيا، فإن مشركي العرب لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق، فإنهم يعلمون أن ذلك هو الله وحده كما تقدم، وإنما أرادوا بالإله: الذي يقصد بالعبادة، فأتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ، وأن يكفروا بما يُعبد من دون الله، فأبوا عليه ذلك، وجرى ما هو معروف من نصر الله نبيه عليهم، والتمكين لدينه في الأرض، كما بينت ذلك في كتابي " سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم " (١) .

إذا علمت ذلك، وعلمت الشرك بالله الذي حرمه الله أشد من تحريم الزنى، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٨] وعرفت دين الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد سواه، وعرفت ما وقع فيه فئام (٢) من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك، وضممت إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تقوم


(١) هو فصول فيما صح من السيرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وذكر اهتمامه بتوحيد الله، وذكر أيامه وغزواته وسراياه، وأخلاقه الرفيعة، وشمائله الفاضلة، أسأل الله العظيم أن ييسر طباعته قريبا.
(٢) أي: جموع كثيرة.

<<  <   >  >>