وقد أطنب الكلام عليهما الحافظ ابن القيم في كتابه " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل "، وعقد بابا مفصلا في طرق إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره، وإثبات الغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي فعل وأمر لأجلها.
ومن جملة ما قال في هذا الباب: " إنه سبحانه وتعالى أنكر على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا بحكمة كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}[المؤمنون: ١١٥] وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ - مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ}[الدخان: ٣٨ - ٣٩] والحق: هو الحِكَم والغايات المحمودة، التي لأجلها خَلَقَ ذلك كله، وهو أنواع كثيرة:
منها: أن يُعْرَف الله بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وآياته.
ومنها: أن يحب، ويعبد، ويشكر، ويطاع.
ومنها: أن يأمر، وينهى، ويشرع الشرائع.
ومنها: أن يدبر الأمر، ويبرم القضاء، ويتصرف في المملكة بأنواع التصرفات.
ومنها: أن يثيب ويعاقب، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فيكون أثر عدله وفضله موجودا مشاهَدا، فيحمد على ذلك ويشكر.
ومنها: أن يُعْلِم خلقه أنه لا إله غيره، ولا رب سواه.
ومنها: أن يَصْدُق الصادق فيكرمه، ويكذب الكاذب فيهينه.
ومنها: ظهور آثار أسمائه وصفاته على تنوعها وكثرتها في الوجود الذهني والخارجي، فيعلم عباده ذلك علما مطابقا لما في الواقع.
ومنها: شهادة مخلوقاته كلها بأنه وحده ربها وفاطرها ومليكها، وأنه وحده إلهها ومعبودها.
ومنها: ظهور آثار كماله المقدس، فإن الخلق والصنع لازم كماله، فإنه حي