أسير خلفه، قال لي أبي: يا بني؛ من هذا الشيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة؟ من هو؟ تعرفه؟ قلت: يا سيدي كأنك لم تعرفه! قال: لا، فقلت: هذا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فقال: إنا لله! ما أحسنت عشرتي يا بني! ألا قلت لي في الحال، فكنت إذا كره بغير تلك المذاكرة! هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلوم، وما ذاكرته بحسبها. قال: ومضت على هذا مدة، فحضرنا في حق آخر، وجلسنا؛ وإذا بالطبري يدخل إلى الحق، فقلت [له] : قليلاً قليلاً، أيها القاضي، هذا أبو جعفر الطبري؛ قد مقبلاً، فأومأ إليه بالجلوس عنده، فعدل إليه، وأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ يجاريه، فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتاً، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها؛ فيتلعثم الطبري، فينشدها أبي إلى آخرها، وكان كلما ذكر شيئاً من السير، قال أبي: كان هذا في قصة فلان، يوم بنى فلان، مر أبا جعفر فيه، فربما مر، وربما تلعثم، فمر أبي، فيمر أبي في جميعه، قال: فما سكت أبي في ذلك اليوم إلى الشهر، وبان للحاضرين قصور الطبري عنه، ثم قمنا، فقال لي أبي: الآن شفيت صدري! وعن أبي إسحاق بن إدريس النحوي المعروف بابن سيار، قال: سمعت أبا بكر بن الأنباري؛ يقول: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من أبي جعفر بن البهلول.
قال يوسف بن عمر بن الحسين بن محمد الخلال: توفي أبو جعفر بن البهلول