وقال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وهو عند الراضي بالله على الطعام، وكان قد عرف الطباخ ما يأكل، فكان يسوي له قلية يابسة. قال: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلوى، فلم يأكل منها، فقام وقمنا إلى الخيش، فنام بين يدي الخيش، ونمنا في خيش ينافس فيه، فلم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان بعد العصر، قال: يا غلام الوظيفة! فجاءه بماء من الحب، وترك الماء المزمل [بالثلج] ، فغاظني أمره، فصحت صيحة: يا أمير المؤمنين! فأمر بإحضاري، وقال: ما قصتك؟ فأخبرته، وقلت: يا أمير المؤمنين، يحتاج [هذا] إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها، فضحك وقال: له في هذه لذة، وقد جرت له به عادة، وصار آلفاً لذلك فلن يضره. ثم قلت: يا أبا بكر، لم تفعل هذا بنفسك؟ فقال: أبقي على حفظي، قلت له: قد أكثر الناس في حفظك، فكم تحفظ؟ فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً.
وقال محمد بن جعفر: وهذا مما لم يحفظه أحد قبله ولا بعده، وكان أحفظ الناس للغة والشعر والتفسير. وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً من تفاسير القرآن بأسانيدها.
وقال أبو سعيد [بن] يونس: كان أبو بكر آية من آيات الله تعالى في الحفظ.
وحكى أبو الحسن العروضي، قال: كان ابن الأنباري يتردد إلى أولاد الراضي بالله، فكان يوماً من الأيام قد سألته جارية عن تفسير شيء من