وقال خلف بن هشام: دخل الكسائي الكوفة، فجاء إلى مسجد السبيع - وكان حمزة بن حبيب يُقرئ فيه - فتقدم الكسائي مع أذان الفجر؛ وهو ملتف بكساء، فلما صلى حمزة، قال: من تقدم في الوقت؟ قيل له: الكسائي - يعنون به صاحب الكساء - فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا: إن كان حائكاً فسيقرأ سورة يوسف، وإن كان ملاحاً فسيقرأ سورة طه؛ فسمعهم، فابتدأ بسورة يوسف، فلم بلغ إلى قصة الذي قرأ:] فأكله الذئب [بغير همز، فقال له حمزة:] الذئب [بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز "الحوت"؟ وقرأ] فالتقمه الحوت [فقال: لا، فقال: فلم همزت "الذئب" ولم تهمز "الحوت"، وهذا] فأكله الذئب [وهذا] فالتقمه الحوت [! فرجع حمزة بصره إلى خلاد الأحول - وكان أكمل أصحابه - فتقدم إليه في جماعة أهل المجلس، فناظروا فلم يصنعوا شيئاً، وقالوا: أفدنا يرحمك الله! فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك، تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب، ولو قلت: قد استذاب بغير همز، لكنت إنما نسبته إلى "الذوب" فتقول: قد استذاب الرجل، إذا ذاب شحمه بغير همز، وإذا نسبته إلى الحوت، تقول: قد استحات الرجل، إذا كثر أكله للحوت؛ لأن الحوت يأكل كثيراً، فلا يجوز فيه الهمز؛ فلتلك العلة همز "الذئب" ولم يهمز "الحوت". وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذؤب ضاريات
قال: فسمي الكسائي من ذلك اليوم.
وله كتب كثيرة منها كتاب "معاني القرآن"، وكتاب "مختصر في