للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتبسم الرشيد، فلما خرج الناس قال: يا أصمعي؛ ما معنى قولك: "ما لاقتني أرض"؟ فقال: ما استقرت بي أرض؛ فقال: هذا حسن؛ ولكن لا ينبغي أن تكلمني بيد يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلمني، فإنه يقبح بالسلطان ألا يكون عالماً؛ لأنه لا يخلو إما أن أسكت أو أجيب، فإذا سكت فيعلم الناس أني لا أعلم إذ لم أجب، وإذا أجبت بغير الجواب، فيعلم من جوابي أني لم أفهم ما قلت. قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.

وحكى المبرد أيضاً، قال: مازح الرشيد أم جعفر، فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر؟ فاغتمت لذلك ولم تفهم معناه، فأنفذت إلى الأصمعي تسأله عن ذلك، فقال: الجعفر: النهر الصغير، وإنما ذهب إلى هذا؛ فطابت نفسها.

ويحكى عن الأصمعي أنه قال: كلمت أبا يوسف القاضي بحضرة الرشيد في الفرق بين "عقلت القتيل", و"عقلت عنه", فلم يفهمه حتى فهمته؛ عقلت القتيل؛ إذا أديت ديته, وعقلت عنه؛ إذا لزمته دية فأديتها عنه.

وذكر أبو العباس المبرد أن رجلا كان يألف حلقة الأصمعي, فإذا صار إلى ضيعته أهدى إلى الأصمعي مما يحمل منها؛ فترك حلقة الأصمعي, وألف حلقة أبى زيد, وكان أبو زيد لا يقبل شيئا, قال: فمر الرجل يوما بالأصمعي فأنشده الأصمعي للفرزدق:

ولج بك الهجران حتى كأنما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف

وقال أبو العيناء: قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الربيع, فقال: يا أصمعي, كم كتابك في الخيل؟ فقلت: جلد, قال: فسأل أبا عبيدة, فقال: خمسون جلدا, قال: فأمر بإحضار الكتابين وإحضار فرس. وقال لأبو عبيدة: اقرأ كتابك حرفا حرفا, وضع يدك على موضع موضع من الفرس,

<<  <   >  >>