[وجوب البراءة من المشركين وعداوتهم]
لا يستقيم للإنسان إسلام -ولو وحد الله وترك الشرك- إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغض، كما قال الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا} [المجادلة:٢٢] يعني: لا يمكن أن تجد قوماً {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:٢٢].
إن هذه البراءة من المشركين هي القاسم المشترك بين كل الملل غير دين الإسلام، كل ما سوى الإسلام القاسم المشترك بينها: أننا نعاديهم في الله، ونتبرأ منهم ومن طريقتهم، مهما كانت أصنافهم من مشركين وكفار ومنافقين.
فطبيعة المنهج الإسلامي تعكس طبيعة التعارض والتنافر الصريح بين منهجين في الحياة لا التقاء بينهما في صغيرة ولا كبيرة، فكما يصر المؤمنون على التمكين لدينهم في الأرض، وإخراج الناس كافة من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده؛ كذلك يصر الكفار على سحق المنهج الرباني الذي يهدد وجودهم ومنهاجهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧]، فليس للمشركين همٌّ ولا شغل إلا أن يردوا المسلمين عن دينهم، وهم يبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦].
أما المشركون فقد أخبرنا الله عن دخيلة في قلوبهم، وعما في صدورهم، فقال الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٢ - ٣٣]، وقال عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:١٠٥]، أما في أهل الكتاب فقال عز وجل مخبراً عما في قلوبهم تجاه المسلمين: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، وقال عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة:٨٢] ما علة ذلك؟ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة:٨٢]، القسيسون: هم العلماء، والرهبان: هم العباد.
قوله: ((وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) يعني: إذا سمعوا القرآن آمنوا به وتواضعوا للحق لما جاءهم، فهذا وصف فيمن أسلم ودخل في دين الإسلام، أما من أعرض عن القرآن من النصارى أو من غيرهم فإنه يدخل في قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٧٥].
وقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} [النساء:٤٤]، وقال عز وجل: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:١١٩].
وقال في المنافقين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:٩]، وقال فيهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:١٦]، وقال أيضاً: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٧ - ٨].
فجاء الرد الحاسم والحازم تجاه هذه المؤامرات من أعداء الله: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة:١٢٠]، هذا أسلوب حصر وقصر للهدى فيما جاء به الله عز وجل، فما عداه ليس بهدى.
فحقيقة العداوة هي اختلاف الدينين، وافتراق المنهجين: إما اتباع دين الله، أو اتباع ملة الكفر والطغيان.
بعض الناس يتصور أن المسلمين قضيتهم فقط إقامة الحدود، فإذا استجاب الحكام لهذه المطالب، بأن تقطع يد السارق، ويجلد الشارب، ويرجم الزاني وهكذا، فإن القضية قد انتهت القضية ليست مساومة على بعض المطالب، القضية هي أنه لا بد أن يكون هناك إسلام لله سبحانه وتعالى، أن ينقاد كل الناس لله تعالى ولشرعه، وليس مجرد الأخذ بجزئيات من الشريعة والإعراض عنها من الجانب الآخر.
فالقضية قضية إسلام لله، وليس الإسلام المقيد ببعض جزئيات الإسلام، وهذه المطالب لا شك أنها إسلامية، وواجبات من واجبات الأمة الإسلامية؛ لكن المشكلة أن هذه هي هدفنا في هذه الحياة، قد يجاملنا البعض بذكر آيات من القرآن أو يتبرك بها، أو يقيم بعض الحدود، فنرضى منه بذلك، كما يقولون: يركب الموجة لأن هذا يرضي الناس، وهذا كما نرى اليوم في بعض معارض الملابس يقول لك: هذه ملابس المحجبات، مع أنه حجاب نصفي، ليس هو الحجاب الذي أراده الله، بل هي كما يقولون: موضة إسلامية! يحاولون أن يصرفوا المرأة ويحرفوها عن الطريق الصحيح.
فالقضية ليست قضية أحكام محددة، لكن القضية قضية شريعة في حالة إعراض عنها، ونبذ لها وراء ظهورهم، هذه هي القضية، فلا بد من إسلام لله سبحانه وتعالى بالمعنى الشامل للإسلام، وليس مجرد هذه الجزئيات، فلا نحصر همنا في أشياء محدودة، ولكن الأمر والقضية أوسع من ذلك وأكبر من ذلك، فإما دين الله واتباع شرعه، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، أو دين باطل، واتباع الهوى والشهوات، والانضمام إلى حزب الشيطان، فعلى أولياء الرحمن أن يستعلوا بدينهم، وأن يعتزوا بهذا الدين فوق وطأة الباطل، فإنهم هم المنصورون، يقول الله عز وجل: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨]، وقال سبحانه: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢]، وقال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١].