[بعض مظاهر وصور الموالاة لأعداء الله]
أما صور الموالاة المحرمة ومظاهرها، فمنها: الرضا بكفر الكافرين، وعدم تكفيرهم، أي: الشك في كفرهم، فمن أقبح صور الموالاة التي تهدد عقيدة المسلم، أن يشك في كفر الكافر، أي: لا يعتقد أنه كافر بهذا الشرك الذي ارتكبه، أو يشك في كفره، أو تصحيح المسلم لأي مظهر من مظاهرهم الكفرية.
أيضاً من مظاهر ذلك: التولي العام، واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياءً، أو الدخول في دينهم، يقول الله عز وجل: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:٢٨].
يقول ابن جرير رحمه الله: من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم، ويظاهرهم على المسلمين، فليس من الله في شيء، أو قد برئ من الله، وبرئ الله منه، لارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر، (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) أي: إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تجاروهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١].
يقول ابن حزم رحمه الله: قول الله تعالى: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) إنما هو على ظاهره؛ لأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة:٨١].
ومن صور الموالاة المحرمة: الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله، قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:٥١]، ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة:١٠١ - ١٠٢]، لما اتبعوا السحر، وتركوا كتاب الله، كما يفعله اليهود وكثير من المنتسبين إلى الإسلام، فمن كان من هذه الأمة موالياً للكفار من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة، كإسناده أهل الباطل، واتباعهم في شيء من فعالهم ومقالهم الباطل؛ كان له من العقاب والذم بحسب ذلك.
ومن مظاهر الموالاة المحرمة مودتهم ومحبتهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:١].
ومن ذلك أيضاً: الركون إليهم، يقول الله عز وجل: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [هود:١١٣]، يقول قتادة: يعني لا تودوهم ولا تطيعوهم.
وقد خاطب الله عز وجل الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء:٧٤ - ٧٥]، فإذا كان هنا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بمن هو دونه؟! ومن الموالاة المحرمة: مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين، يقول الله عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩]، ومن أعظم ما يقع فيه المسلمون المداهنة والمجاملة على حساب إسلامهم، فأخذوا ينسلخون من دينهم شيئاً فشيئاً حتى لا يتهموا بالتعصب ولا بالتطرف، وحتى يرضى عنهم هؤلاء الكفار، الذين أخبر الله أنهم لن يرضوا حتى يترك المسلم دينه ويتنجس بكفرهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم) الحديث.
ومن ذلك: اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، وأقرب شيء إلى الإنسان هو بطانة الملابس، فهي قريبة جداً من جسده، فكذلك الإنسان عندما يوالي هؤلاء الكفار، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:١١٨]، كان بعض المؤمنين يصافون المنافقين أي: يصير بينهم صفاء، ويواصلون رجلاً من اليهود، فنزلت هذه الآية تحذيراً من ذلك، وبطانة الرجل خاصته، تشبيهاً لها ببطانة الثوب التي تلي بطنه؛ لأنهم يستبطنون أمره، ويطلعون منه على ما لا يطلع عليه غيرهم، وقد بين الله العلة في النهي عن اتخاذهم بطانة فقال: ((لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)) أي: لا يفترون ولا يتركون جهدهم فيما يوردكم الشر والفساد، ثم إنهم ليرجون ما يشق عليك من الذل والهلاك.
ومن الموالاة المحرمة: طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به، يقول عز وجل: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:١٤٩]، وقال عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١].
ومن ذلك: مجالستهم والركون إليهم وقت استهزائهم بآيات الله، ولذلك نهى الله عن مجالستهم فقال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:١٤٠]، فإذا جالستموهم وهم يشتمون دين الله، أو يطعنون في فرائضه؛ فإنكم إذاً مثلهم، يعني: إن لم تقوموا عنهم في هذه الحال.
ومن ذلك: توليتهم أمراً من أمور المسلمين، كالإمارة والكتابة وغيرها، بحيث يكونون رؤساء على المسلمين، ويكون لهم سلطان على ديار المسلمين، فإنهم لن يألوا المسلمين خبالاً وتآمراً عليهم، فالتولية شقيقة الولاية، لابد أن تؤدي إلى تمكين ونصرة، وتوليتهم فيه نوع من مناصرتهم ومحبتهم، وقد حسم الله الأمر أن من تولاهم فإنه منهم، فلا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم.
وهناك حادثة مشهورة وقعت أيام الملك الصالح إسماعيل، فقد كان في دولته رجل نصراني يسمى محاضر الدولة أبا الفضل بن دخان، ولم يكن في المباشرين أمكن منه، وكان قذاة في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين، وبلغ من أمره أنه وقع على رجل نصراني أسلم، فرده إلى دين النصرانية، وأخرجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنجة بأخبار المسلمين وأعمالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها، فكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى وكانوا هم المقربين لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحمل لهم الأدرار والضيافات، وأكابر المسلمين محجوبون عند الباب لا يؤذن لهم! وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام، وحدث أن اجتمع في مجلس الملك الصالح أكابر الناس من الكتاب والقضاة والعلماء، فسأل السلطان بعض الجماعة عن أمر أفضى به إلى ذكر مفاسد النصارى، فبسط لسانه في ذلك، وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق، يعني: يقول الجاحد عليهم: الخيانة عشرة أجزاء، تسعة أجزاء منها في أهل الذمة، ويقول بعض العلماء حينما رأى في بعض مراحل التاريخ الإسلامي تمكنهم من المسلمين: بأبي وأمي ضاعت الأحلام أم ضاعت الأذهان والأفهام من حاد عن دين النبي محمد أله بأمر المسلمين قيام إلا تكن أسيافهم مشهورة فينا فتلك سيوفهم أقلام ومن جملة كلامه أنه قال: إن النصارى لا يعرفون الحساب، ولا يدرونه على الحقيقة؛ لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة، والثلاثة واحداً، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}.
فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيدة له: كيف يدري الحساب من جعل الوا حد رب الورى تعالى ثلاثة ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده؟! ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً وأخذ لنفسه اثنين، ولاسيما وهو يعتقد ذلك قربة وديانة؟! والمقصود أن من الموالاة، توليتهم والإعجاب بهم واستئمانهم، وقد خونهم الله، يقول عز وجل: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:٧