للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استمرار العداوة مع الشيطان إلى يوم القيامة]

العداوة قائمة منذ اليوم الأول بين آدم وبين إبليس، فهذه الحرب وهذه العداوة قائمة لا تنقطع أبداً، وأي نوع من الأعداء يمكن أن تكسبه بمعاهدة أو بإحسان إليه، أو بأي شيء: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤]، إلا الشيطان فإنه لا يجدي معه إلا أن تتخذه عدواً: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:٦] لا يجري معه أي شيء آخر، ولا يصلح معه أي حيلة ولا معاهدة ولا إحسان ولا أي شيء، سوى أن تتخذه عدواً كما قال الله عز وجل.

أما أشباه إبليس وحزبه فيقول الله في شأنهم: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢]، وقال عز وجل أيضاً في شأنهم: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩] إلى آخر الآيات، وقال في المؤمنين: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:٢٥٧].

فالحرب والعداوة والتميز في الخصائص أمر قائم ومستمر بين الحزبين، حزب الرحمن وحزب الشيطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

أولياء الشيطان بماذا أجابوا المرسلين؟ {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة:١٧٠]، وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:١٠٤]، وقال: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء:٤٦]، أما المؤمنون: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١].

ويقول ابن القيم: كل من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته، ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده، ومكن الجهل من نفسه، والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر من صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه؛ فهو ولي الشيطان.

انتهى كلامه.

إن الحقائق والأدلة المسبقة تبين أن المؤمنين الذين هم أولياء الله لا يلتقون مع أعدائهم في منتصف الطريق بين الكفر والإسلام، أو أن يحيدوا يميناً وشمالاً؛ بل يقولون كما قال إمامهم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤]، هذه هي الغاية الوحيدة التي يمكن أن يتلاقى المؤمنون أولياء الله مع غيرهم بأن يتنازلوا هم ويتراجعوا عن شركهم وكفرهم، ويحققوا معنى لا إله إلا الله، كما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>