ذكرنا من قبل أن أصل الولاء الحب، الولاء لا يأتي إلا ثمرة للحب، وأصل البراء البغض، والحب والبغض اللذان هما سبب الولاء والبراء من أعمال الجوارح ما يؤيد صدق ذلك الحب أو يكذبه، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم:٩٦]، ويقول عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١].
وقال صلى الله عليه وسلم:(المرء مع من أحب)، وفي الحديث الآخر:(أنت مع من أحببت)، قال الحسن البصري رحمه الله: لا تغتر بقوله: المرء مع من أحب، يعني: لا يتعلق الإنسان بمحبة الصالحين وهو لا يعمل عملهم، بل يعمل نقيض عملهم، فيقول الحسن: لا تغتر بقوله: المرء مع من أحب إن من أحب قوماً اتبع آثارهم، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم وتقتدي بسنتهم، وتمسي وتصبح وأنت على منهاجهم، حريصاً أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصراً في العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الرديئة يحبون أنبياءهم وليسوا معهم؟! يعني اليهود يحبون موسى، والنصارى يحبون عيسى، ولكن عيسى وموسى بريئان منهم، ونحن أولى منهم، ونحن الذين قصدنا الله عز وجل بقوله:{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:٥٥]، فالذين اتبعوا عيسى على الإسلام والتوحيد هم المسلمون، أو هم المسلمون في زمانه الذين آمنوا برسالته وصدقوا بنبوته ونصروه، أو هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول: أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الرديئة يحبون أنبياءهم وليسوا معهم؟! لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقهم فصار موردهم النار، كما أكثر المسلمين الذين يتغنون بمحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبعد ما يكونون عن سيرته ومنهاجه، فيكثرون من قولهم، يقولون: يا بختنا بالنبي، والنبي بريء منهم، فهم يواقعون البدع والمعاصي، وليس في حياتهم أي ملامح من ملامح النبي صلى الله عليه وسلم وهديه الذي هو خير الهدي، هؤلاء اليهود والنصارى قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}[المائدة:١٨]، فمجرد الدعوى: يا بختنا بالنبي، أو نحن نحب النبي، ومحبة النبي لا تكون إلا في الموالد والأغاني مما هو معلوم من أقوال الصوفية أو جهلة المسلمين، فليست هذه هي المحبة، لكن المحب من يطيع محبه، وعلامة المحبة الانقياد، والتشبه بالمحبوب ظاهراً وباطناً.