نختم هذا البحث ببيان بعض المواقف العملية من قصص الصحابة رضي الله عنهم في الولاء والبراء، ونقدم بين يدي ذلك قول المقداد بن الأسود رضي الله عنه حينما قال: والله! لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية لا يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، ففرق بين الوالد وولده، حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً، وقد فتح الله تعالى فقل قلبه بالإيمان، ويعلم أنه إن هلك دخل النار؛ فلا تقر عينه وهو يعلم أن خليله في النار، وإنها للتي قال الله عز وجل:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}[الفرقان:٧٤].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك للصحابة رضي الله عنهم:(إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم -يعني: كأنهم معكم في هذا الجهاد- قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر)، فهذه موالاة ومناصرة للمسلمين حتى الذين لم يخرجوا معهم في الجهاد في غزوة تبوك، فيكنون للذين حبسهم العذر الموالاة القلبية والوجدانية كأنهم يسيرون معهم في كل واد وفي كل مكان، والمعذورون مع إخوانهم بالدعاء والمتابعة والارتباط القلبي، فذكر أنهم كأنهم معهم في مثل هذا الجهاد، وهذه من أعظم صور الموالاة.