لقد تغير لدى كثير من المسلمين في هذا الزمان مفهوم الولاء والبراء، وبعد عهدهم عن فهمه، ونوع هذا الجهل والتفريط في حق هذه الحقيقة لا يغير من هذه الحقيقة الناصعة شيئاً؛ لأن الولاء والبراء هما الصورة الفعلية التطبيقية الواقعية لعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو مفهوم ضخم في حفظ المسلم لمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحقون الولاء، والبراء ممن يستحقون البراء، هذه القضية ليست تندرج -كما يحسب بعض الناس- في القضايا الجزئية أو الثانوية، ولكنها قضية إيمان وكفر، كما قال الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٣ - ٢٤]، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:٥١].
يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: إنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم -أي: حكم الولاء والبراء- بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده.
أي: أنه لا يوجد حكم في القرآن بعد التوحيد وتحريم الشرك الذي هو ضد التوحيد، لا يوجد حكم أوضح وأقوى وأكثر أدلة من هذا الحكم، الذي هو موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين.
لقد قامت الأمة الإسلامية بقيادة البشرية دهراً طويلاً، حيث نشأت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة وأخرجت بالفعل الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ثم ما الذي حدث بعد ذلك؟ لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء، بعد أن تركت الجهاد، وأخذت بأذناب البقر، حينما اشتغلوا بالزرع بمتاهات أمور الدنيا، وتراجعت بعد أن زهدت في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ثم تبعت الأمم الأخرى وصارت في ذيلها بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون، ثم تبلبلت الأفكار بعد أن خلطت نبعها الصافي بالفلسفات الجاهلية والهرطقة البشرية، ثم دخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين، واطمأنت إليهم، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها؛ فخسرت الدنيا والآخرة، وموالاة الكفار هي منبع هذا الفساد والخسارة، كما قال الله عز وجل:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ}[الأنفال:٧٣] يعني: إلا تراعوا حدود الولاء والبراء، {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال:٧٣].