[العبادة في الهرج كالهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معقل بن يسار رضي الله عنه:(العبادة في الهرج كهجرة إلي) أخرجه مسلم والترمذي.
قول النبي صلى الله عليه وسلم:(العبادة في الهرج) هو: الفتنة واختلاط أمور الناس، (كهجرة إلي) قال النووي رحمه الله: وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها -كما في مثل هذه الأزمان- ويشتغلون بالدنيا، ولا يتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى وذكره وطاعته إلا الأفراد القلائل من الناس.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وجاء تفسير أيام الهرج فيما أخرجه الإمام أحمد والطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد أن رجلاً قال له: يا أبا سليمان! اتق الله؛ فإن الفتن قد ظهرت، فقال: أما وابن الخطاب حي فلا.
يعني: الفتن كان بينها وبين المسلمين باب وهو عمر، فإذا كسر هذا الباب جاءت الفتن كما هو معلوم في التاريخ، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أما وابن الخطاب حي فلا، إنما تكون بعده، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكاناً لم ينزل به مثلما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد.
وهذا الأثر ينطبق علينا في هذا الزمان، فالإنسان عندما يتأمل في أي مكان حوله لا يجد شبراً قد خلا من الفتنة، فقد تكون جالساً في بيتك، تعتزل الناس، فيدخلون عليك الموسيقى والتلفزيون والفيديو والأغاني إلى البيت، فتجد أنه ما خلا شبر من هذه الفتن! وقد جاء تفسير الهرج في بعض الأحاديث بأنه كثرة القتل وإراقة الدماء.
قال المناوي رحمه الله:(كهجرة إلي) يعني: من يثبت على دينه في وقت الغربة، ووقت الفتنة التي تصرف الناس عن دينهم، وتعظيمه وإقامة حدوده، يقول: فمن صبر على ذلك فثوابه كأنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونال الثواب الكثير، أو يقال: الهجرة في الأول كانت قليلة لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهرج قليل، قال ابن العربي: وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة.
يعني: إذا لم يكن في استطاعة الإنسان أن يهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام، أو لم تكن أصلاً هناك دار إسلام، أو لم يستطع أن يهاجر من دار البدعة إلى دار السنة، أو من دار الظلم إلى دار العدل فعليه انتقال نفسي بأن يهجر المعاصي، ويهجر المحرمات، فينتقل من الفتنة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، ويهجر معاصي الله، وهذا أحد أقسام الهجرة التي تجب على كل مسلم.