كان أنس بن النضر رضي الله عنه قد غاب عن قتال بدر فقال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين؛ ولئن أشهدني الله قتالاً للمشركين ليرين الله ما أصنع.
فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون -يعني: انهزموا- فقال: اللهم! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني: أصحابه، اعتذر عنهم ولم يتبرأ منهم، وقال: وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني: المشركين، والمعنى أن المسلم يشرع لك أن تتبرأ من فعله إذا كان مخالفاً للشرع، لكن لا تتبرأ منه كلية، أما الكافر فالبراءة منه من كل الوجوه.
ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال: إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقاتل حتى قتل، قال سعد: فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣].