من مظاهر الولاء والبراء ما وقع في قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، فحينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يهجروا كعب بن مالك وصاحبيه؛ لتخلفهم عن غزوة تبوك، فلم يكلموهم، ولم يسلموا عليهم، ف كعب بن مالك هجره كل الناس حتى زوجته، يقول كعب: فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟! فطفق الناس يشيرون إليه، يعني: هذا هو كعب بن مالك احتياطاً في تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الكلام معه، فلم يتكلموا، ولكن أشاروا فقط بدون الكلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الكلام معه، يقول: حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان.
انظروا إلى سرعة التجسس، فقد وصل إلى ملك غسان أن هؤلاء الثلاثة قد قاطعهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وشق ذلك عليهم مشقة شديدة، فقد استمرت المقاطعة لمدة خمسين يوماً.
يقول: فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك.
فقلت لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، فيممت بها التنور -الفرن- فسجرتها.
أي: فأشعل النار في هذا الكتاب.
وهذا أيضاً من أعظم مظاهر الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين رغم هذا الإغراء من عدو الله اللعين، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من علامات الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.