من مظاهر الولاء والبراء ما كان من عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، يقول جابر بن عبد الله:(كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية؟! قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار.
فقال: دعوها فإنها منتنة) يعني: دعوى الجاهلية، فسمعها عبد الله بن أبي فأشعل نار الفتنة عندما سمع بهذا الحديث فقال: قد فعلوها! فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم:(دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).
فلما بلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله! لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا).
وقد ذكر عكرمة وغيره أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة من الغزو وقف عبد الله بن عبد الله بن أبي على باب المدينة، واستل سيفه، وجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه المنافق قال له ابنه: وراءك! يعني: لم يسمح له بالمرور، فقال: ما لك ويلك؟! قال: والله! لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وظاهر الحديث يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسير خلف أصحابه؛ لأن الناس كانوا يمرون ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد دخل بعد، فقال له: لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بالدخول.