ومن مظاهر الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين ما كان من خبيب بن عدي رضي الله عنه حينما اعتقله المشركون، فساقوه إلى مكة، ووضعوه أسيراً ل ابن أبي إيهاب التميمي ليقتله بأبيه الذي كان قد قتل في غزوة بدر، ولما حددوا موعداً لقتله أخرجوه إلى التنعيم ليقتلوه، فقال: إن رأيتم أن تدعوني حتى أصلي ركعتين فافعلوا، فأذنوا له، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت الصلاة جزعاً من الموت لاستكثرت من الصلاة، ولما رفع على الخشبة قال له المشركون: ارجع عن الإسلام نخلي سبيلك، فقال: والله! لا أحب أن أرجع عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعاً، قالوا: ارجع يا خبيب! قال: لا أرجع أبداً، قالوا: أما واللات لئن لم تفعل لنقتلنك، قال: إن قتلي في الله قليل، وصرفوا وجهه لغير القبلة، فقال: أما صرفكم وجهي عن القبلة فإن الله تعالى يقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:١١٥]، ثم قال: اللهم إني لا أنظر إلا في وجه عدو، اللهم إنه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت السلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت بين صحبه في المدينة فأخذته غيبة ثم قال:(هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام)، واقترب من خبيب أربعون رجلاً من المشركين بأيديهم الرماح وقالوا: هذا الذي قتل آباءكم في بدر، فقال خبيب: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فأبلغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
ولما دعا هذه الدعوة كان بين هؤلاء المشركين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وحكيم بن حزام وجبير بن مطعم، ولم يكونوا قد أسلموا بعد، فلما سمعوه يدعو بهذه الدعوة؛ ألقى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بنفسه إلى الأرض فرقاً من دعوة خبيب، وهرب حكيم بن حزام، واختفى جبير بن مطعم، وعندما أخذت الرماح تمزق جسده استدار إلى الكعبة وقال: الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته الذي ارتضى لنفسه ونبيه والمؤمنين، ثم استدار إلى القوم وأنشد: لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم وقربت من جذع طويل ممنع إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما جمع الأحزاب لي حول مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد ذرفت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني ميت ولكن حذاري حر نار ملفع وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي ولست بمبد للعدو تخشعاً ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي فقال له أبو سفيان: أيسرك أن محمداً عندنا نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: لا والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه صلى الله عليه وآله وسلم.