١٢٨ - عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ:" أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي، نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، فأيما رجل من أمتِي أَدْرَكته الصَّلَاة فَليصل، وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي، وَأعْطيت الشَّفَاعَة - وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة، وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَرَوَى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عَلّي:" وَجعل التُّرَاب لي طهُورا ".
وذكر حديث جابر رضي الله عنه قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وهذا الحصر لا يدل على أنه ليس له من الخصائص إلا هذه الخمس بل هناك غيرها وقد جاء ذلك في أحاديث ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح هذا الحديث جملة من الأحاديث التي فيها الزيادة على ذلك وذلك أن قوله:«أعطيت خمسا» لا يعني ذلك الحصر فيها وإنما أُطلع على أنها أعطي خمس ثم ذكر بعد ذلك أطلع على أنه أعطي أكثر من ذلك فهذه الخمس التي جاءت في هذا الحديث أولها قوله: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» يعني أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خصائصه أن الله يقذف الرعب في قلوب أعدائه من هذه المسافة التي هي مسافة شهر وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- ينصره الله عز وجل بأن يقذف الرعب في قلوب أعدائه وإذا حصل الرعب في قلوب أعدائه حصل الهزيمة وحصل النصر عليهم فكان -صلى الله عليه وسلم- أخبر بهذا وأن هذه المدة أنه -صلى الله عليه وسلم- ينتصر على أعدائه ولو كان بينه وبينهم هذه المدة التي هي شهر وقد قيل إن التنصيص على هذه المدة لأنه لم يكن بينه وبين أعدائه مسافة أطول من هذا بل ذكرت لأن هذه هي المسافة التي تكون بينه وبين أعدائه -صلى الله عليه وسلم-، والرعب هو الخوف والذعر ومعلوم أن الرعب والذعر إذا حصل فإن القوة الحسية لا يستفاد منها ولا يحصل من ورائها شيء يعني مع حصول الرعب الذي يكون في قلوب الأعداء، «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذا الباب يعني أن الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة فإن كان الماء موجودا فإنه يتوضأ به وإذا كان غير قادر على استعماله لمرض أو غير ذلك فإنه يتيمم ويأتي بما أوجبه الله عليه من الصلاة ولهذا قال: «فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» يعني بعد أن يتيمم يعني حيث كان عادما للماء أو موجودا ولكنه غير قادر على استعماله فإنه يعدل عن الأصل الذي هو استعمال الماء إلى التيمم وقد جاء في بعض الروايات «وجعلت تربتها لي طهورا» كما ذكرها عن أحمد في آخر الحديث ولكنها أيضا هذه الرواية أو هذا المعنى جاء في صحيح مسلم حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «وجعلت تربتها لنا طهورا» فدل هذا على أن هذه الرواية التي ذكرها في الآخر عن أحمد هي موجودة في صحيح مسلم والتعبير بالتربة لا يعني ذلك أن الاستعمال لا يكون إلا للتربة وإنما الحكم هو أن الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة وليس عنده ماء فإنه يتيمم على الأرض الذي هو عليها سواء كانت ترابية أو غير ترابية ولكنه ذكر التراب لأنه هو الغالب في الأرض الغالب في الأرض أنها ترابية لكن قد تكون يعني أرض جبلية والإنسان يكون في محل ليس فيه تراب فإنه يتيمم على الأرض التي هو فيها ولا يكون الحكم مقصورا على التراب وما جاء في بعض الروايات لا يعني الاقتصار عليه لأنه هناك قاعدة مشهورة في هذا الباب وهي أن الحكم العام إذا أطلق على بعض أفراده فإنه لا يقصر حكمه عليه يعني الحكم العام الذي هو كونه جعلت الأرض مسجدا وطهورا يعني هذا يشمل التراب وغير التراب وقد جاء التنصيص على التراب في بعض الروايات فلا يعني القصر عليه لأن القاعدة المشهورة أن الحكم العام إذا ذكر بعض أفراده فإنه لا يقتصر عليه وإنما يكون نص عليه لكونه الغالب يعني في الأرض أنها ترابية وإلا فإن الإنسان قد يكون في أرض جبلية يكون في أرض لا تراب فيها فإن عموم الحديث في قوله: «فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» أي بعد أن يتيمم يعني يتيمم على الأرض التي هو فيها فإذًا ذكر التربة لا يعني الاقتصار عليها وإنما ذكر التنصيص عليها لكون الغالب على الأرض أنها ترابية هذا هو وجه الاقتصار ووجه الاختصاص وذكر التربة دون غيرها، «وأحلت لي الغنائم» هذه من خصائص هذه الأمة أنها أحلت لها الغنائم بخلاف الأمم السابقة فإنها لم تحل لهم الغنائم وهذا من خصائص هذه الأمة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنها ميزت عن الأمم السابقة بأن الأمم السابقة لم تحل لهم الغنائم وإنما إذا جمعت الغنائم تأتي نار وتحرقها وأما هذه الأمة فإن الله رخص لهم في الغنائم وجعلها يستفيدون منها ويستعينون بها على الجهاد وعلى غير الجهاد، «وأعطيت الشفاعة» وهذه الشفاعة (أل) يعني الشفاعة العظمى التي فيها إراحة الناس من الموقف فإن هذه هي الشفاعة التي اختص بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون لأن الناس إذا كانوا في صعيد واحد يموج بعضهم في بعض والعرق يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم منهم من يلجمه ومنهم من يكون إلى صدره ومنهم من يكون إلى حقوته ومنهم من يكون إلى ركبته على حسب أعمالهم فإنهم يذهبون إلى آدم ويعتذر ثم يذهبون إلى نوح ويعتذر ثم يذهبون إلى إبراهيم فيعتذر ثم يذهبون إلى موسى فيعتذر ثم يذهبون إلى عيسى فيعتذر ثم يحيلهم إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول أنا لها ويتقدم ويشفع ويشفِّعه الله عز وجل ويأتي للفصل بين العباد ولهذا قيل لها المقام المحمود لأنه يحمده عليها الأولون والآخرون كلهم استفادوا من شفاعته من لدن آدم إلى لدن الذين قامت عليهم الساعة كلهم استفادوا من شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل أيضا مما اختص به -صلى الله عليه وسلم- أنه يشفع في الخروج من النار لمن لم يكن عنده إلا أصل التوحيد يعني ليس عنده أعمال وإنما عنده التوحيد فقط وعنده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنه الله تعالى يشفعه ولهذا يأتي كثيرا بعد ذكر حديث الشفاعة العظمى حديث المقام المحمود أنه يذكر بعد ذلك الشفاعة في الإخراج من النار وقد بين -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«كل نبي أعطي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة لمن كان لا يشرك بالله شيئا»، «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» كل رسول بعث إلى قومه وأما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فأرسل إلى الثقلين الجن والإنس فرسالته وشريعته اتصفت بصفات ثلاث الكمال، والبقاء والخلود، والعموم والشمول فهي شاملة لكل أحد شاملة للجن والإنس كل إنسي وجني من حين بعثته -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة فهو من أمة محمد -صلى الله عليه
وسلم- كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه قال -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار» فرسالته عامة للثقلين الجن والإنس ولا يخرج أحد من رسالته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة فكل من لم يؤمن به ومات غير مؤمن به فليس أمامه إلا النار.