للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد جمع الله بين الأمتين في قوله عز وجل: (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فإن قوله: (والله يدعوا إلى دار السلام) يعني كل أحد حذف المفعول وذلك أن كلٌّ مدعوٌّ إلى دار السلام ما أحد يدعى وأحد لا يدعى وإنما الكل مدعوّ وقد قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وإنك لتهدي إلى صراط المستقيم) فالدعوة العامة والهداية خاصة ثم قال: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهم الذين وفقهم في الدخول لهذا الدين الحنيف فإذًا هذا فيه أن هذه الرسالة شاملة للثقلين الجن والإنس وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار» فذكَر اليهود والنصارى وأنهم من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أمة الدعوى وأنه بعد بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ينفعهم أن يقولوا أنهم من أتباع موسى أو أتباع عيسى وإنما بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- فإن الشرائع نسخت ولم يبقى إلا شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واليهود والنصارى الذين هم أهل كتاب وأصحاب رسالة وأنهم أرسل عليهم لا ينفعهم أن نقول بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم أتباع موسى أو أنهم أتباع عيسى وإنما الواجب على كل إنسي وجني أن يستسلم وينقاد ويدخل في هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأما صفة الكمال فإنها كاملة لا نقص فيها لا تحتاج إلى إضافات ولا تحتاج إلى محدثات ولا تحتاج إلى بدع وإنما الله تعالى أكملها وتوفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد ترك الناس على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك والله تعالى قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فمن زعم كما جاء عن مالك بن أنس رحمه الله: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين ولم يجعل الناس في حاجة إلى أمور محدثة يأتي بها الناس ويضيفونها إلى شرع الله وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق على صحته «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فإن كل عمل لا يكون نافعا عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله وحده والمتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، لأن معنى أشهد أن لا إله إلا الله الإخلاص، ومعنى وأشهد أن محمدا رسول الله المتابعة له وأنه لا يعول على شيء إلا ما جاء به عليه الصلاة والسلام وما بعثه الله به عليه الصلاة والسلام، إذا هذه صفات ثلاث اتصفت به هذه الشريعة شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي البقاء والخلود، والعموم والشمول، والكمال والتمام.

<<  <   >  >>