ثم إن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله إلا أن القرآن وحي متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها وهي وحي من الله لأن القرآن وحي وقد قال الله عز وجل:(وما ينطق عن الهوى (٣) إن هو إلا وحي يوحى) وقال -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث عديدة أُمرت بكذا ونُهيت عن كذا، فإذا قال الرسول أمرت بكذا ونهيت عن كذا فالآمر الناهي هو الله وهذا يبن لنا أن السنة من الله وأنها ليست من عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما هي من عند الله وإنما الرسول أوحيت له السنة كما أوحي إليه القرآن وكذلك جاء في الحديث الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه والذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس بن مالك رضي الله عنهما في بيان فرائض الصدقة وفي أوله «هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على عباده والتي أمر الله بها رسوله» وهذا الحديث الطويل الذي فيه زكاة الأنصبة من الإبل والبقر والغنم وكذلك مقدار الزكاة في كل نوع من أنواع الأموال الزكوية كله يبين لنا أن السنة وحي من الله وأنها ليست من عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن الأخذ بها لازم كالقرآن ومعلوم أن من قال أنه يأخذ بالكتاب ولا يأخذ بالسنة فإنه يقال له كيف يصلي الإنسان لأنه ما جاء في القرآن أن الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع ركعات والفجر ركعتين هذا لا يوجد في القرآن وإنما جاء في السنة، فالذي يزعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فهو منكر للكتاب والسنة وجاحد للكتاب والسنة لأنه لابد من الأخذ بالكتاب ولابد من الأخذ بالسنة ولهذا جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما قال: لعن الله النامصة والمتنمصة وكذا، قال: مالي لا ألعن من لعنه الله وهو موجود في كتاب الله، فقالت امرأة: إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت هذا الذي تقول - يعني ما وجدت أن النامصة والمتنمصة ملعونة- قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه قال الله عز وجل: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فالسنة كلها داخلة في قوله: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ولهذا يأتي في القران آيات كثيرة تدل على لزوم اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه يؤخذ بما جاء عن الله والرسول وهو ما جاء في الكتاب والسنة كما قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) ويقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فإذًا السنة هي وحي من الله ومن زعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فإنه غير آخذ بالكتاب ولا بالسنة.