ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توضأ من مزادة امرأة مشركة والمزادة هي الراوية التي يكون فيها الماء من الجلود والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان هو وأصحابه في سفر ونقص وقل عندهم الماء واحتاجوا إليه فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه ليبحثوا عن ماء فوجدوا امرأة على راحلة وعليها مزادتان وهي راكبة على بعيرها فسألوها عن المكان الذي فيه الماء فأخبرتهم بأنه بعيد فأمروها أن تمشي معهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا اذهبي معنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت أهو الصابئ؟ يعني الذي رجع عن دين قومه واتخذ دينا غير دين قومه، ما قالوا نعم هو الصابئ إنما قالوا هو الذي تعنين هو الذي تريدين لأنها تعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذهبوا بها فأخذ المزادتين وأفرغ منهما من الماء يعني ملؤوا أوعيتهم التي معهم والتي يحتاجون فيها إلى الماء وأغلقهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهما على حالتهما لم ينقص منهما شيء مملوءتان وحصلت هذه البركة بما حصل بمماسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني لهذا الماء الذي حصل تكثيره ببركة ملامسة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إياه ثم إنهم جمعوا لها أنواع الأطعمة التي معهم وأعطوها إياها فذهبت إلى قومها وقالت لهم إني جئتكم من أسحر الناس أو أنه رسول كما يقول أصحابه ثم إنها أسلمت وأسلم قومها معها، والحاصل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توضأ من مزادة امرأة مشركة وهذا يدلنا على أن ما لامسه الكفار من الماء أو أن أجساد الكفار الأصل فيها أنها طاهرة مالم يكن عليها نجاسة لأن جسد الكافر ليس نجسا لأن نجاسة الكافر معنوية وليست حسية إلا إذا كان على جسده شيء من النجاسات فإن النجاسة لهذا الذي على جسده وأما لو لمس إنسان جسده أو مست يده جسد كافر فإنه لا يقال لمس نجاسة تحتاج إلى غسل ثم أيضا فيه دليل على أن الجلود تطهر بالدباغ وذلك
أن هذه الجلود التي فيها هذا الماء كانت مدبوغة ومعلوم أن تذكية المشركين أنها غير شرعية فالمذكى منه يعتبر ميتة المشرك إذا ذكى فما يذكيه يكون ميتة فلو ذبح شاة أو ناقة فإنه لا يحل أكلها لأنها ذبيحة كافر ذبيحة مشرك بخلاف اليهود والنصارى فإن ذبائحهم تؤكل إذا ذبحوها لأنهم أهل كتاب وأما المشركون الذين هم عباد الأوثان فهذا لا تحل ذبائحهم وما يذكونه في حكم الميتة وهذه الجلود التي
دبغت هي مما ذكوه فتعتبر في حكم الميتة ومعلوم أن الميتة وهي مما يباح أكله من الإبل والبقر والغنم أنه يطهرها الدباغ.