ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو من الأدلة الواضحة على وجوب صلاة الجماعة، وأن من تركها يكون آثمًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هَمَّ أن يأمر بِحَطَبٍ فيحطب، ثم بأن يؤذن للصلاة فيؤذن لها، ثم يأمر رجلا فيؤم الناس يصلي بالناس، ثم الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذهب في الوقت الذي الناس يصلون، وفيهم من خلفه عنه ينوب عنه، ويذهب بنفسه ومعه جماعة مع حُزَمٍ من حطب إلى أناس لا يصلون الجماعة، وإنما يصلون في بيوتهم فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، لأنهم تركوا أمرًا واجبًا عليهم، فهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، لأن الهمّ بالتحريق هذا أمره خطير، ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيتولى هذا بنفسه، ويجعل من يصلي بدلًا منه، ومن يخلفه في إمامة الناس، ثم يذهب إلى أناس في الوقت الذي الناس فيه يصلون، وهذا كما يقال:"لأذهب إليهم وهم متلبسون بالجريمة" لأن الناس يصلون وهم ليسوا معهم، وإنما هم باقون في بيوتهم، فَهَمَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى أنه لو لم يفعل فمجرد الهمّ يدل على خطورة الأمر، وعلى أن الأمر ليس بالهيّن، وأن حتى لو لم ينفذ لأن مجرد الهمّ يكفي في بيان خطورة الأمر وعلى وجوبها، وأن من تخلف عنها يُحَصِّل إثمًا عظيمًا، ثم إن هذا شأن المنافقين، الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، المنافقون يتخلفون عن صلاة الجماعة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لو يعلم أحدهم أنه يحصل عَرْقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» يعني يتخلف عن العشاء، وصلاة العشاء وصلاة الفجر هي أثقل الصلاة على المنافقين كما جاء في الحديث "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوًا".
يأتون يحبون على الركب لو كانوا يعلمون ما فيها من الأجر، ثم إن المنافقين همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، ولهذا قال «لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا»، والعَرْقُ هو العظم الذي عليه بقية لحم، عظم عليه بقية اللحم هذا يقال له عَرْق، «أو مرماتين حسنتين» وهما ما بين ظِلْفَي الشاة من اللحم، معناه أنه شيء زهيد، وشيء تافه، ليس من الشيء الجيد وليس من اللحم الجيد، لأنه عَرْق عليه بقية لحم ليس عليه لحم كثيرًا، ومرماتين: ما بين ظِلْفَي الشاة من اللحم، هذا شيء تافه بسيط، ليس بشيء، ولكنهم يحرصون على الدنيا، ولو كان شيئًا يسيرًا، ويعرضون عن الآخرة، ولو كان الإنسان لا يصل إليها إلا حبوًا، فإنه يذهب إليها، هذا يدلنا على عظم شأن صلاة الجماعة، وعلى وجوبها، وأن التخلف عنها من صفات المنافقين، «لو يعلم أحدهم لشهد العشاء»: لو كان يعلم أن في لحم يوزع عند باب المسجد أو في المسجد ولو كان تافهًا لذهب إلى المسجد ليأخذ نصيبه من الدنيا ومن المآكل الزهيدة الرديئة التي تكون عند المسجد، لو كان هناك لحم يوزع لذهبوا إليه، وأما الصلاة التي هذا أجرها وهذا ثوابها فإنهم يتخلفون عنها، ولهذا، الحديث من أوضح الأدلة على وجوب صلاة الجماعة.