للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن سكوته/ كان تسعة أشهر، ومنها ثلاثة الأيام المذكورة.

ولعله إنما اقتصر عليها لخصيصة فيها، وذلك أن في القرآن في سورة مريم «١» أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن عكرمة «٢» قال:" سويا" من غير خرس. وذكر في الإنجيل «٣»: أن زكريا بقي أبكم إلى أن وضع يحيى، والأبكم: الأخرس، فلعله كان في ثلاثة الأيام الأول ساكتا من غير خرس، وفي بقية المدة ساكتا من خرس «٤»، ويكون الأول:

علامة، والثاني: عقوبة. والقرآن الكريم إنما ذكر هذه القصة في سياق ذكر النعمة على آل إبراهيم وآل عمران واصطفائهم على العالمين، فاقتصر على ذكر زمن الآية والعلامة التي هي من نعم الله على خلقه، إذ هي موجبة لطمأنينة القلوب، ولم يذكر مدة البكم الذي هو عقوبة لئلا يفضي ذلك إلى ضرب من تكدير النعمة بذكر العقوبة عقيبها «٥».

والقرآن فيه من ملاحظات الآداب واللطائف ما هو أدق من هذا، وشبيه بهذا تأدب إبراهيم مع ربه حيث يقول: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) والَّذِي هُوَ


(١) الآية رقم: ١٠، وقد أخرجه الطبري أيضا عن طريق عبد الرزاق.
[انظر تفسير الطبري ١٦/ ٥٢].
(٢) عكرمة: أبو عبد الله البربري المدني مولى ابن عباس، أكثر الرواية عنه، تكلم فيه، ووثق، وفند محمد الذهبي- رحمه الله- التهم الموجهة إليه في كتاب:" التفسير والمفسرون" توفي- رحمه الله- سنة أربع ومائة من الهجرة.
[انظر تهذيب التهذيب ٧/ ٢٦٣، والتفسير والمفسرون ١/ ١٠٧ - ١١٢].
(٣) القصة مذكورة في إنجيل لوقا الأصحاح الأول، ولم يحدد فيه مدة صمته.
(٤) في (أ):" ساكتا من غير خرس".
(٥) سيأتي للمؤلف- رحمه الله- كلام جيد في هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>