للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحينئذ لا يلزم التناقض بين اقتضاء الطاعة وطلبها وبين كراهة فعلها «١»، لأن اقتضاءها خطابي وكراهتها نفسية. وقد يوجد هذا من البخلاء كثيرا، حيث يقول أحدهم لصاحبه: إذن فكل معي، تجملا «٢» وهو يكره ذلك منه لآمة وبخلا، وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين/ الأمر بالشيء والنهي عنه. لأن الأمر والنهي خطابان محلهما اللسان، نحو افعل./ لا تفعل. بخلاف الكراهة فان محلها النفس، فلا تناقض الأمر.

وأما ما ذكر من نصوص كتب الأنبياء فحق نقول به. وقد ورد به شرعنا.

فإن الإنسان له قدرة واختيار يكتسب بهما، لكنهما تابعان لقدرة الله واختياره، فهما ناقصان نقص التبعية، وكون الشيء ناقصا لا يقدح في وجود مسماه، إنما يقدح في تمامه وكماله «٣».


(١) الله سبحانه لا يكره فعل الطاعة. بل يحب من العبد أن يفعلها، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) [الصف: ٤] [سورة الصف: ٤] وقال تعالى: وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) [البقرة: ١٩٥] وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران: ٣١]. والآيات في هذا كثيرة تبين أن الله يحب فعل الطاعة وإن كان لا يعين المأمور بها أحيانا لحكمة يعلمها سبحانه ويعود إليه الأمر فيها.
(٢) التجمل: تكلف الجميل والحياء والمودة. [انظر لسان العرب ١١/ ١٢٦ - ١٢٧].
(٣) قلت: ذكر الفرق بين إرادة الخالق سبحانه وإرادة العبد يوضح هذا: فإرادة الله لا تعدم في وقت من الأوقات: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فإرادته وفعله متلازمان فما أراده كونا فعله وما فعله فقد أراده، أما العبد فإنه قد يريد شيئا ولا يفعله وقد يفعل شيئا ولا يريده وهذا يدل على أن إرادته تحت إرادة الله ومشيئته.
[انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ١٣٧ - ١٣٨، وشرح لمعة الاعتقاد للعثيمين ص ٥٤ - ٥٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>