للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المثل الذي شنع به من ربط الشخص وإلقائه من جبل. ثم يقال له:

ارجع وإلا عاقبتك، فليس نظير ما نحن فيه، لأن هذا «١» إلجاء محض، وقسر صرف، وصاحبه جائر قاسط، وتعالى الله وحاشاه أن يفعل هذا، وإنما الله سبحانه لطيف لما يشاء، فتلطف إلى بلوغ مراده من شقوة من أراد شقوته من خلقه على وجه لا يلجئهم إلى مراده ولا يهملهم حتى يخرجوا من تحت قهره وقدرته، وسلط «٢» على عبده نفسا أمارة، وهوى داعيا، وشيطانا مزينا للشهوات، وفي مقابلة هذه روحا وعقلا ودينا، فالقبيلان كجيشين يصطدمان على فعل الشر وتركه، ويترجح أحدهما بالتوفيق أو الخذلان.

ثم قطع حجته بأن قال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) ولِساناً وشَفَتَيْنِ (٩) وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) «٣» يعني طريق الخير والشر، ليجتلب ويجتنب، فإذا أراد الله سبحانه شقوة عبد خذله فيرجح جيش شيطانه، وإذا أراد إسعاده وفقه فيرجح جيش عقله، والتوفيق والخذلان للإنسان في مدة عمره، كالخفير وقاطع الطريق في مسافة سفره، فكما أنك إذا استرشدك من لك به عناية عن «٤» طريق أريته جهته، ثم سيرت معه غلامك، أو سرت «٥» معه بنفسك، فخفرته فيها-/ من أن يضل عنها، أو يطأ فيها مهلكا، أو يقع في مغارة- حتى يقطعها إلى مقصده.


(١) في (ش): لانه إلجاء.
(٢) في (ش)، (م): فسلط.
(٣) سورة البلد، آية: ٨ - ١٠.
(٤) في (ش): من.
(٥) في (أ): أو شرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>