وقد قال البغوي في "شرح السنة" ١٠: ١١٦ في شرح قول معاذ رضي الله عنه: "أجتهد رأيي": "لم يُرد به الرأي الذي يسنح له من قِبَل نفسه، أو يخطر بباله على غير أصل من كتاب أو سنة، بل أراد به ردّ القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق القياس". والحديث في "مصنف" ابن أبي شيبة (٢٣٤٤٢)، وانظر ما علَّقته عليه، ثم إنه رواه مباشرة: عن أبي معاوية الضرير، عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي عون الثقفي، مرسلًا، وهؤلاء رجال ثقات، فهو مرسل صحيح، والمرسل بذاته حجة عند الأثمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك وأحمد، فكيف إذا عضده ما قبله، أو هو عضد ما قبله. هذا، ومن المعلوم في تاريخ الفقه الإسلامي: اختلاف السلف في جواز - وكراهية- افتراض المسائل قبل وقوعها، واشتهر الإمام أبو حنيفة بذلك، وكان هو وأصحابه يسمُّون: الأرأيتيين، لقولهم: أرأيت لو كان كذا، ثم صار الجميع إلى طريقة أبي حنيفة، وانظر قول المصنف الآتي (١٤٢٢). وأقول: هذا الحديث فيه دليل صريح من النبي صلى الله عليه وسلم على جواز افتراض المسائل قبل وقوعها، والله أعلم.