للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الراشدين من بعده من الصحابة، ودلَّهم بالإشارة إلى ما كانوا عليه على الفرقة الناجية، فمن سلك في دينه سبيلَهم، ولزم في متابعة الكتاب والسنة هديهم، فاز فوزًا عظيمًا، ونال حظًّا جسيمًا.

٩٥٨ - ولعل قائلًا يزعم أن المجتهدين من أهل السنة والجماعة اختلفوا أيضًا اختلافًا كثيرًا، وتباينوا تباينًا شديدًا، فهم وإن اختلف اجتهادهم فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فقد اجتمعوا من حيثُ لم يخالف واحد منهم كتابًا نصًّا، ولا سنة قائمة، ولا إجماعًا، ولا قياسًا صحيحًا عنده، وإن كل واحد منهم قد أدى ما كُلِّف من الاجتهاد، وأحرز الأجر الموعود على طلب الصواب، واختصاصُ بعضهم بإحراز الأجر الموعود على إصابة العين التي أُمر بالاجتهاد في طلبها: فضلُ الله يؤتيه من يشاء.

والذي لم يصبها غيرُ آثم، لأنه إنما كُلِّف في الحكم الاجتهادَ على الظاهر دون الباطن، ولا يعلم الغيبَ إلا الله، فهم - مع اختلافهم هذا النوعَ من الاختلاف - من أهل السنة والجماعة.

٩٥٩ - وأنا أرجو أن لا يؤخذ على واحد منهم أنه قصد أن يخالف كتابًا نصًّا، ولا حديثًا ثابتًا، ولا قياسًا صحيحًا عنده، ولكن قد يجهل الرجلُ السنة، فيكون له قول يخالفها، لا أنه عمَد خلافها، وقد يَغْفُل المرء ويخطئ في التأويل، وقد تكون نازلةٌ ويوجد لها في أصلين شَبَه، فيذهب ذاهب إلى أصل، والآخر إلى أصل غيره، فيختلفان.

وفي حكايات مسائل الفقه عن السلف ما يكشف عن ذلك ويوضحه، وهي مفرقةٌ في كتاب "السنن" في مواضعها.