للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ترك صلّى الله عليه وسلّم جميع ما بين دفّتي المصحف مكتوبا قد كتب بين يديه، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشدّاد بن معقل على ابن عبّاس رضي الله عنهما فقال له شدّاد بن معقل: أترك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفّتين.

قال: ودخلت على محمّد بن الحنفية فسألناه فقال: [ما ترك إلاّ ما بين الدفّتين] (١) فالإجماع منعقد على أن جميع آيات القرآن في سورها قد كتبت بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين كان ينزل بها الوحي مباشرة، وأنّها كتبت في صحف. وتوفّي الرسول الأعظم وهو قرير العين على القرآن معجزته الكبرى التي قامت حجّة على العرب وعلى العالم. ولم يكن يخشى على آيات القرآن الضياع لأن الله حفظ القرآن بنصّ صريح {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} (٢) ولأنه كان قد ثبّت هذه الآيات كتابة بين يديه وحفظا في صدور الصحابة وأذن للمسلمين أن يكتبوا القرآن.

ولذلك لم يشعر الصحابة بعد وفاة الرسول أنّهم في حاجة لجمع القرآن في كتاب واحد أو في حاجة إلى كتابته، حتى كثر القتل في الحفّاظ في حروب الرّدّة، فخشي عمر من ذلك على ضياع بعض الصّحف وموت القرّاء، فتضيع بعض الآيات، ففكّر في جمع الصّحف المكتوبة، وعرض الفكرة على أبي بكر وحصل جمع القرآن.

عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطّاب عنده. قال أبو بكر رضي الله عنه إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك رجل شاب عاقل لا نتّهمك، وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتتبّع القرآن


(١) رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب من قال: لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين: الحديث (٥٠١٩).والإمام أحمد في المسند: ج ١ ص ٢٢٠ بلفظ: [إلاّ ما بين هذين اللّوحين] وإسناده صحيح.
(٢) الحجر ٩/.

<<  <  ج: ص:  >  >>