سورة الفاتحة سبع آيات؛ وخمس وعشرون كلمة؛ ومائة وثلاث وعشرون حرفا. وهي مكّيّة عند ابن عبّاس؛ ومدنيّة عند مجاهد وقتادة، والله أعلم.
قوله عزّ وجلّ:{الْحَمْدُ لِلّهِ،} الحمد والشكر نظيران؛ إلا أن الحمد أعمّ من حيث إن فيه معنى المدح من المنعم عليه؛ وغير المنعم عليه؛ ولا يكون الشّكر إلا من المنعم عليه. والشكر أعمّ من الحمد من حيث إنه يكون من اللسان والقلب والجوارح؛ والحمد لا يكون إلا باللسان؛ ويتبيّن الفرق بينهما بنقيضهما. فنقيض الحمد الذمّ؛ ونقيض الشكر الكفران.
وقوله:{رَبِّ الْعالَمِينَ}(٢).الربّ في اللغة: اسم لمن يربي الشيء ويصلحه؛ يقال لسيد العبد: ربّ؛ ولزوج المرأة: ربّ؛ وللمالك: ربّ. ولا يقال:
الربّ معرفا بالألف واللام إلا لله عزّ وجلّ. والله تعالى هو المربي والمحوّل من حال إلى حال؛ من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك إلى أجل مسمّى.
وقوله {(رَبِّ الْعالَمِينَ)} العالم: جمع لا واحد له من لفظه؛ كالنّفر والرّهط؛ وهو اسم لمن يعقل مثل الإنس والجنّ والملائكة؛ لأنك لا تقول: رأيت عالما من الإبل والبقر والغنم؛ إلا أنه حمل اسم العالم في هذه السّورة على كلّ ذي روح دبّ ودرج لتغليب العقلاء على غيرهم عند الاجتماع. وربّما قيل للسّموات وما دونها مما أحاطت به: عالم؛ كما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:[إنّ لله ثمانية عشر ألف عالم؛ وإنّ دنياكم منها عالم](١).
(١) أخرج الإمام الطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن: الرقم (١٣٧) عن أبي العالية في قوله تعالى: (رَبِّ الْعالَمِينَ) قال: «الإنس عالم والجن عالم، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعة عشر ألف عالم-وهو يشك-من الملائكة على الأرض، وللأرض أربعة زوايا، وفي كل زاوية ثلاثة آلاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم الله لعبادته».وفي الدر المنثور في التفسير المأثور: ج ١ ص ٣٤ قال السيوطي: «أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية».-